دولي

حتى لا نتحول إلى ضحية للدعاية الصهيونية

القلم الفلسطيني

 

بالنظر لطبيعة عملية اغتيال الشهيد مازن فقهاء المعقدة وشح المعلومات حولها وكذا للدور الذي لعبه الشهيد في المقاومة والذي ظل غير مرئي لغاية استشهاده، فقد وجد الكثيرون في تغطية الإعلام الصهيوني وتحليلاته فرصة لكشف شيء من الغموض حول هذه القضية ومحاولة لفهم تداعياتها، مما جعل العديد من وسائل الإعلام العربي تتسابق في تناقل أي مستجد تبثه وسائل الإعلام الصهيونية حتى تحولت إلى وعاء لتصريف وجهة النظر الطرف المعادي. مما أسقط البعض في الدعاية المجانية له عن وعي أو عن غير وعي. هذا الأمر ليس جديدا، فقد أصبح الشأن الصهيوني يحظى باهتمام متزايد في واقعنا العربي والإسلامي لدرجة جعلت وسائل إعلامنا المختلفة تفرد لصحافته مساحات واسعة من تغطيتها، وذلك لتتبع تطورات الخريطة السياسية والمجتمعية في الكيان وانعكاساتها على واقع الفلسطينيين والمنطقة بشكل عام، وهذا عكس ما كان عليه الحال في بدايات الصراع مع الصهاينة، حيث كان الانكفاء حول الذات سيد الموقف ما حال بيننا وبين معرفة خبايا ذلك الجسم الغريب عن المنطقة. هذا التطور في التعاطي مع شؤون العدو الصهيوني إيجابي من الناحية المبدئية خصوصا أن جل المهتمين كان منطلقهم في البداية قاعدة "اعرف عدوك"، وهي قاعدة ذهبية لو أحسنا تفعيلها لما دفعنا أثمانا باهظة في مواجهاتنا السابقة مع الكيان. غير أنه ورغم الوعي بأهمية الموضوع لم نلمس في متابعتنا للصحافة الصهيونية بالمجمل عمقا أو تحليلات رصينة عند كثير من المتخصصين، بل إننا نزعم أن عددا مهما منهم لا تنطبق عليهم صفة الخبير والباحث التي أضحت صرعة هذه الأيام ينتحلها البعض فقط للاستعراض ولإضفاء مسحة أكاديمية ومصداقية لكلامه ولتوجهه السياسي، الشيء الذي عرضنا إلى سهولة الوقوع في مطبات وأخطاء منهجية فادحة جعلت قراءتنا للمشهد الصهيوني مختلة وغير ناضجة وتشوبها كثير من الأعطاب. وبدلا من أن نستثمر متابعتنا للصحافة الإسرائيلية لدراسة المجتمع الصهيوني دراسة جادة تكشف نقاط قوته وضعفه أخذتنا حدة الأحداث وغلب علينا منطق المناكفات الداخلية والاحتراب الفصائلي، فلم يعد اطلاعنا على الإعلام الصهيوني إلا بهدف التنقيب فيه عما يناسبنا وتدعيم حجة كل طرف للنيل من خصومه في انتقائية معيبة، حتى صرنا في بعض الأحيان أسرى لتسريباته وتحليلاته والأسوأ أننا أعطينا صحافته مصداقية لا تستحقها، الشيء الذي سهل عليه توجيه عدد من نقاشاتنا الداخلية بل والتحكم أحيانا في توقيتها. صحيح أن الحق ما شهدت به الأعداء، حيث إن العدو يميل عادة إلى الإنكار والمكابرة، وحين يقر بضعفه أو بقوة خصمه فلا شك أن لهذا قيمته؛ لأن الاعتراف سيد الأدلة كما هو معروف، غير أن هذا لا يعني أن نأخذ أي كلام صادر من جبهته على عواهنه، وينبغي الاستحضار بأن العدو ليس شيئا واحدا، وأن ساحته تعجّ بالتيارات المتصارعة، وهو ما ينعكس على صحافته أيضا، لذلك ليس أي خبر أو تحليل يستحق أن ينال الاهتمام، وقد يكون من نوع المهاترات والمزايدات الداخلية، أو قد يكون غرضه الابتزاز لأطراف فلسطينية أو خلق لغط مقصود في ساحتنا. طبعا هذا لا ينفي وجود قدر معتبر من الشفافية والمهنية في الإعلام "الإسرائيلي"، لكنها موجهة لجمهوره وليست لنا، ولا ننكر أننا قد نستفيد منها بشرط أن نتعامل معه بصرامة منهجية مبتعدين عن الانفعالات حتى نحسن قراءة عدونا كما يحسن هو قراءتنا. 

 

 

أنس السبطي

 

من نفس القسم دولي