دولي

ما تحتاجه منظمة التحرير موازنة لا موازاة

**القلم الفلسطيني

قدوماً من جميع أنحاء العالم، انضم الآلاف إلى مؤتمر "فلسطينيي الخارج" الذي عُقد في إسطنبول في 25 ـ 26 نوفمبر/شباط، والذي اختتم أعماله بالدعوة إلى إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية عبر إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة، مع التمسك بحق العودة وخيار المقاومة للتحرير. أيضاً طالب المؤتمر بالالتزام ببرنامج المقاومة والميثاق القومي لعام 1964، والوطني الفلسطيني لعام 1968.

بدايةً، يدّعي الرافضون للمؤتمر بأن هويته تتبع "للتيار الحمساوي" الرامي إلى إسهاب نطاق الانقسام، وأن المؤتمر لا يمثل الفلسطينيين ككل! ينم هذا الادعاء الركيك عن "نرجسية" ـ مرض نفسي يعبر عن الأشخاص الذين يتفردون بعملية اتخاذ القرار متجاهلين للأصوات الأخرى ـ الأقلية المسيطرة على مقاليد منظمة التحرير، وهدفهم في السعي نحو استئثار عرى القضية الفلسطينية لأنفسهم وكأنها مُلك لا يحظى به إلا هم ومن سار على دربهم. وأبسط رد على هؤلاء هي خلفية الشخصيات المشاركة ونوعية فقرات المؤتمر التي أبرزت احتضان كافة أطياف الشعب الفلسطيني دون استثناء أي طرف. ويبدو أنه من الجيد تقدير المؤتمر على أنه المنبه الذي أظهر حاجة منظمة التحرير المدارة من قبل الهرمِين والمتقاعدين وحتى الموتى عناصر موازنة جديدة تتمتع ببؤس سياسي واجتماعي قادر على إحداث التغيير المطلوب لمنظمة التحرير، لتزخر بحلة جديدة تجعلها قادرة على مواكبة متطلبات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. 

إيجابية المؤتمر تمثلت في دعوته لتشكيل عنصر موازنة متداخل مع منظمة التحرير وليس موازيا لها كما الحال في القضية السورية التي أضحت تقاسي الويلات جراء وجود العديد من المنصات التي تمثلها كمنصة القاهرة والرياض "الهيئة العليا للمفاوضات" وموسكو وحميميم. لكن يبدو أن المؤتمر عجِز عن استخراج آلية حقيقية فاعلة وقادرة على إنجاز الخطوات المطلوبة لإعادة هيكلة منظمة التحرير بشكل مؤسسي يخلصها من سيطرة الأقلية والفرد الواحد، فقد كشف، في بيانه الختامي، عن تأسيس كيان يتابع مخرجات المؤتمر، ويساهم في إطلاق مسارات ومبادرات ومشروعات جامعة ومؤسسة على تراكم الجهود الوطنية لشعبنا في مراحل نضاله المختلفة؛ سعياً في استغلال خبرات أبنائه وإمكاناتهم الهائلة والمهدورة، ولكن لم يوضح خارطة الطريق التي يمكن السير من خلالها على صعيد الساحتين الدولية والداخلية، والتي يمكن من خلالها رفع المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للفلسطينيين في الداخل والخارج مستوًى يجعلهم مؤهلين لإيلاء اهتمام أكبر لقضيتهم الفاقدة لمبالاة الكثير منهم. 

ولعل الخطوات التالية تُشكل مسنداً للمؤتمر الذي عبر القائمون عليه نيتهم الجادة في تجديد هيكلة منظمة التحرير ـ التقرب من العناصر الدولية والإقليمية الرافضة للهيمنة الكاملة لمحمود عباس على المنظمة، وتأكيد شمولية المؤسسة المشكلة بشكل مؤقت لإصلاح المنظمة لكافة أطياف الشعب الفلسطيني بلا استثناء. ـ تشكيل هيئة مؤسسية بمبادئ جديدة تعيد إحياء الدور الرئيس لمنظمة التحرير التي أصبحت خاضعة لسيطرة المتسلقين وتجار القضية. ـ تكثيف الحملات الإعلامية المحركة للشباب الفلسطيني خارج وداخل فلسطين، خاصة في الضفة الغربية، لتشكيل ضغط على المحتكرين للمنظمة. ـ الاضطلاع بدور توافقي مع الذين كانوا فاعلين في منظمة التحرير وأضحوا اليوم مختلفين مع الدور الاحتكاري لمحمود عباس. وليس بالضرورة الإشارة إلى تيار دحلان، فهناك تيارات أخرى عريقة تم نفيها من منظمة التحرير، كمروان البرغوثي مثلاً، مع النظر إلى التيارات الأخرى المعارضة لهيمنة شخص واحد. وتجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من التيارات المعارضة لهيمنة شخص واحد يمكن تنسيق المواقف معها. بالمحصلة، فإن الخطوات المذكورة أعلاه تم تطبيق جزء منها من قبل حركات التحرير التي سعت إلى تأسيس كيان يوجه طاقته نحو مصلحة الوطن وليس المصالح الشخصية. لقد لعب المؤتمر دوراً جيداً في إعادة إحياء الروح الأولى لمنظمة التحرير، والأمر لا يقف على مؤتمر بل يحتاج لخطوات عملية. وفي إطار ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن المناداة بإلغاء معظم أو جزء من الاتفاقيات التي قامت بها منظمة التحرير في إطار دولي، يعتبر تهورا يحتاج إلى حكمة ورويّة تضبط الأمور بحنكة لا باندفاع. 

جلال سلمي
 

من نفس القسم دولي