دولي

"الدولة الواحدة" : هل سيأتي من اليمين الإسرائيلي؟

**القلم الفلسطيني

تتزايد التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية بتراجع فرص وآمال تطبيق حل الدولتين، كخيار كان سائداً طيلة أكثر من عقدين من الزمن منذ ما بعد انطلاق عجلة التسوية في مؤتمر مدريد 1991، في ظل تطورات متلاحقة على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي فضلا عن أحداث عصفت بالمنطقة، وتغيرات جوهرية شهدتها عواصم صنع القرار حول العالم، كل ذلك ربما أدى بمختلف الأطراف للبحث في مدى واقعية هذا الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحاولة استخراج حلول تعتبر بنظرهم أكثر واقعية وعملياتية. أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير، والتي قال فيها إن حل الدولتين ليس الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حماسة التيار اليميني في إسرائيل، وحفيظة الفلسطينيين، بينما لا تبدو نواياه الحقيقية واضحة حتى كتابة هذه السطور، رغم تأكيده على أنه منفتح على خيارات بديلة إذا كانت تؤدي للسلام هذا الموقف للرجل الأقوى في العالم، دفع محافل إسرائيلية لمحاولة تعزيز هذا التوجه من خلال إطلاق جملة تصريحات، من أبرزها ما ذكره وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، الذي وصف حديث ترامب بأنه يشبه إنزال العلم الفلسطيني عن السارية، في إشارة لانتهاء فكرة إقامة دولة فلسطينية. أما وزير العلوم، أوفير أكونيس، فاعتبر أن "هذا يمثل نهاية فكرة خطرة وخاطئة، وهي إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل"، فيما رأت وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، أن هذه التصريحات تشكل بداية لمرحلة دبلوماسية جديدة، إضافة لنهاية التجميد الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم أن السفير الأميركي الجديد في إسرائيل، المحامي اليهودي الأميركي، ديفيد فريدمان، الداعم للاستيطان والمعادي للفلسطينيين، اعترف أمام مجلس الشيوخ الأميركي بأن ليس لديه خيار أفضل من حل الدولتين، لكنه أعرب عن تشكيكه بإمكانية حل الصراع بهذه الطريقة. القراءة المتأنية لواقع العلاقة القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ربما تشير إلى عدم توفر شروط للتوصل إلى حل لإقامة الدولتين نظراً للهوة الهائلة بين الطرفين، وهو ما يتحتم على واشنطن أن تتبع سياسة الخطوة خطوة بينهما، بدلاً من الدفع باتجاه استئناف المفاوضات الثنائية سعياً لحل شامل، مع أن المفاوضات مجمدة منذ قرابة ثلاث سنوات. وربما تطرح خيارات إسرائيلية بديلة لحل الدولتين في ظل ائتلاف يميني حاكم يرفض هذا الخيار، وعدم تحمس دولي للانشغال أكثر بالملف الفلسطيني، ما قد يشجع إسرائيل على ضمّ مناطق في الضفّة الغربيّة لسيادتها، سعياً منها لاستغلال البيئة الدولية والإقليمية، لتحويل مشروع الضم الفعلي الاستيطاني على الأرض إلى ضم قانوني رسمي، بحيث يتم اختزال المشروع الوطني الفلسطيني في بقاء السلطة الفلسطينية، نصف أو شبه دولة، أو دولة منقوصة كما صرّح نتنياهو في الفترة الأخيرة. ويعتبر التيار المركزي في اليمين الإسرائيلي أن انتخاب ترامب فرصة للانتقال من المناداة بضم مناطق فلسطينية للسيادة الإسرائيلية، إلى اتخاذ خطوات تشريعية فعلية لتحقيق ذلك، في ظل قناعات إسرائيلية متزايدة بأنّ انتخاب ترامب يمثل نهاية مشروع الدولة الفلسطينيّة، والادعاء بأن السلطة الفلسطينية تشكل التجسيد العملي والفعلي للحقوق الفلسطينيّة، فهناك برلمان ومكتب رئاسة ورئاسة وزراء، وليس هنالك حاجة لدولة؛ فالدولة عمليًّا قائمة، لذا، فإن إبقاء السلطة بات مصلحة لليمين في تحقيق طموحاته السياسية. وتروج إسرائيل مزاعم بأنه ليس هنالك احتلال إسرائيلي؛ فإسرائيل انسحبت من المناطق التي تعيش فيها الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، ما عدا بضع عشرات من الآلاف في مناطق "سي"، ليس لليمين الإسرائيلي مشكلة في إعطائهم حقوق مواطنة، كما تجري عملية ترانسفير ممنهجة وصامتة في هذه المناطق، حيث تعتمد الخطة الإسرائيلية البديلة عن حل الدولتين على ضمّ مناطق "سي" إلى السيادة الإسرائيلية، وإعطاء الفلسطينيّين فيها حقوق مواطنة، واعتبار مناطق السلطة تعبيراً منجزاً، ونهائيّاً عن حقوق الفلسطينيين. وتشير الإحصائيات إلى أنه من بين 1,426 طلبًا فلسطينيّا للحصول على تصريح بناء قُدّمت بين الأعوام 2010-2007، وافقت الإدارة المدنيّة التابعة للاحتلال الإسرائيليّ على 106 طلبات فقط، وأُصدر 64 ترخيصًا فقط، وجرى اتّباع سياسة اليد الليّنة في التعامل مع اعتداءات المستوطنين على الممتلكات الفلسطينيّة، والاعتراف بمؤسّسات استيطانيّة هامّة، كالاعتراف بجامعة في مستوطنة أريئيل إن المبدأ التقليدي لحل الدولتين، الذي كان يُعتبر طيلة سنوات حلاً افتراضياً، يعتمد على خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967، ويتحدث عن تقسيم الأراضي المحتلة إلى دولتين يهودية وعربيّة، والفصل بينهما، وإخلاء المستوطنات من كافة أراضي 67، التي ستُقام عليها الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يخرج البرنامج حيز التنفيذ في نهاية المطاف.

انطوان شلحت

 

من نفس القسم دولي