دولي
حركة فتح والمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 فيفري 2017
في نشرة داخلية سرية، حملت عنوان "الحركة والكيان المقترح"، أصدرتها حركة فتح قبل دخولها منظمة التحرير، وكانت تتلوها على عناصرها شفويًّا، قالت الحركة في سياق عرضها خطتها للسيطرة على منظمة التحرير: "اعتبار الكيان [أي منظمة التحرير] مرحلة في العمل الفلسطيني، وليس بديلاً للثورة المسلحة."، وبعد أن عرضت الحركة خطتها للسيطرة (كلمة سيطرة تكررت كثيرًا في النشرة)، قالت الحركة: "إذا لم نتمكن من ضمان توجيه المجلس الوطني واللجنة التنفيذية والدوائر والمكاتب المنبثقة عنها، فلا بد من العمل على خلق بديل يقف دون تسلط المجلس الوطني وانفراد اللجنة التنفيذية بالعمل الفلسطيني". بكلمة واحدة، قالت فتح حينها، إذا لم نسيطر على المنظمة، فلنخلق بديلاً عنها، والحجة التي استندت إليها هذه الاستراتيجية، كما قال الشهيد أبو جهاد، أن قيادة المنظمة "اعتبرت نفسها فريقًا يواجه فريقًا آخر، ولم تعتبر نفسها قيادة للشعب كله"، وأنها "أسقطت بيدها مصداقيتها فأعلنت رفضها للكفاح المسلح"، "وهكذا كان لا بد من بدء العمل الحثيث والكثيف لإعلان سقوط القيادة. ولا بد لفتح أن تعيد تنظيم المنظمة.. فتلغيها كمنهج وأسلوب عمل وعلاقات وتحالفات.. ولا بد لفتح أن تعيد الحياة لهذا الجسد الميت والتابع والملحق بالكيانات القائمة التي لا تكاد هي أصلاً تملك شرعية وجودها". (راجع كراسة "حركة فتح: البدايات"، التي كتبها الشهيد أبو جهاد، وأعادت مجلة الدراسات الفلسطينية نشرها في العدد 104). إن أي مقارنة بين حال المنظمة التي يتحدث عنها الشهيد أبو جهاد، والتي تشرح نشرة حركة فتح خطة السيطرة عليها، وبين حال منظمة التحرير الفلسطينية اليوم، ستكون بكل تأكيد لصالح المنظمة في ذلك الزمن، إن من حيث الموقف من العدو وثوابت الصراع معه، أو من حيث العلاقة بفصائل الثورة الفلسطينية الناشئة، أو من حيث قدرتها التمثيلية، ومع ذلك فإن حركة فتح بتطلعاتها الثورية الغضة، لم تر بدًّا -حينها- من ضرورة السيطرة عليها، أو تجاوزها بخلق بديل عنها، لدفع الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح إلى الأمام. ومع ذلك، لو أخذنا ما ذكره الشهيد أبو جهاد، وحاسبنا إليه واقع المنظمة اليوم، فإننا بكل تأكيد سوف نجدها قد اعتبرت نفسها فريقًا في مواجهة فريق آخر، وقد غيرت ميثاقها، واعترفت بالكيان الصهيوني، وأسقطت الكفاح المسلح من استراتيجيتها، وصارت جسدًا ميتًا، يستدعى لأغراض الخصومة السياسية، والمصالح الحزبية الضيقة، فحسب. في مسألة التمثيل تحديدًا، ثمة خلل فادح وفاضح، فالمنظمة على المستوى الفلسطيني، تحولت من الناحية الفعلية إلى ملحق بالسلطة الفلسطينية التي تتولى شؤون الفلسطينيين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة وفقًا لاتفاق أوسلو، وهذه المشكلة مركبة على نحو خطير، إذ يفترض أن تكون حاضنة وقائدة لحركة التحرر الوطني، ولكن تبعيتها العضوية لسلطة داخل الأرض المحتلة، لا يخل بوظيفتها الأساسية فحسب، ولكنه يلغيها تمامًا، إضافة إلى تراجع الدور التمثيلي للمنظمة فيما تعلق بالفلسطينيين في الخارج، وانعدام تمثيلها لفلسطينيي العام 1948.
تكفي هذه المفارقة للدلالة على واقع بائس يعاني اختلالاً خطيرًا في التوازن والسلامة الوطنية، حينما تُمثّل في اللجنة التنفيذية فصائل اسمية، تفتقر إلى الحجم والدور والتأثير والحضور والتمثيل الشعبي، وتحظى بمنصب "عضوية القيادة الفلسطينية"، بينما تقف حماس والجهاد الإسلامي خارج المنظمة. لقد تحولت المنظمة بذلك إلى ما هو أدنى من أن تكون فريقًا في مقابل فريق، بل صارت اسمًا آخر لفصيل فلسطيني واحد، وهو حركة فتح، فبقية الفصائل الأخرى مجرد ملحقات تستمد قيمتها من الحاجة إلى الديكور التعددي، وديكور الاستمرار التاريخي. دعونا نتخيل لو أن فتح ظلت على طبعتها الثورية الأولى، وعلى خلافها مع قيادة منظمة التحرير، وأن هذه الأخيرة انحدرت على نحو أعمق وأخطر مما كان يعيبه عليها أبو جهاد، فهل كانت فتح سوف تتخلى عن خطتها في السيطرة على المنظمة أو خلق بديل عنها؟ وإذا كانت حركات التحرر تقيم بنيتها وعصبيتها وتصوغ هويتها على مبادئها ومنطلقاتها، لا على انتماء قبلي ضيق، فإنه يفترض أن تظل دوافع فتح للسيطرة على المنظمة أو تجاوزها هي دوافع أي حركة تحرر وطني، ولو بعد خمسين سنة، طالما أن المنظمة كانت على تلك الحالة التي يعيبها أبو جهاد، فكيف لو صارت إلى ما هو أسوأ!؟ إن كان الأمر كذلك، فمن الناحية المبدئية، لا يحق لمن بنى على تلك الحجة دخوله المنظمة ثم السيطرة عليها، أن ينكر على غيره الاستناد إلى الحجة نفسها، طالما أن حالة المنظمة تؤيده، ولكن غالبًا لم تكن سياسات فتح، في خلافاتها الفلسطينية، تستند إلى حجاج مبدئي، وإنما إلى الشعوذة السياسية لصالح القبلية الحزبية، وهو الأمر الذي يغلق أبواب الاتفاق المحبذ لصالح تدافعات جديدة تحاول إطلاق أفكار تدفع بالحركة الوطنية والمشروع التحرري إلى الأمام. من تلك الأفكار المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي يقول منظموه إنه محاولة جادّة وكبيرة لإعادة الاعتبار لفلسطينيي الشتات، واستعادة دورهم في الصراع، وتبني قضاياهم، والدفاع عن حقوقهم، ومعالجة مشاكلهم. على أي حال، وبالرغم من عدم حماستي للكثير من المؤتمرات والفعاليات التي تعقدها جهات ومؤسسات خارج فلسطين، لأسباب ليس هذا مقام عرضها، فإن أي فكرة لاستنهاض الفلسطينيين في أي مكان وتوظيفهم في المعركة، ينبغي أن تكون محل ترحيب، ولا يلتفت في هذا السياق لنقد يخلو من الوجاهة المبدئية، ولكن ينبغي في المقابل ألا تكون مثل هذه المؤتمرات مجرد فعاليات موسمية، تثير جدلاً دون أن تراكم فعلاً يحقق أغراضها المعلنة منها.
ساري عرابي