دولي
المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 جانفي 2017
التحرك الذي تداعت إليه مجموعة من الشخصيات والمؤسسات الفلسطينية في الخارج لعقد” المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج “تحركٌ يستحق التقدير والتشجيع. إن تفعيل العمل الشعبي الفلسطيني بجميع أطره النقابية والمهنية والنسائية والشبابية… أصبح ضرورة ملحة، خصوصاً في الخارج، في ضوء حالة التدهور المريع في عمل هذه المؤسسات -الذي ترعاه منظمة التحرير الفلسطينية-من ناحية؛ ولأنه من ناحية ثانية أمرٌ لم يعد يحتمل انتظار المصالحات والترتيبات الفصائلية التي طال عليها الأمد. ولأن العمل الشعبي لا ينبغي أن يربط نفسه ويُعطِّل طاقات الشعب الفلسطيني، بانتظار التسويات السياسية بين القيادات الفلسطينية، بل يجب أن يزداد نشاطه للضغط عليها من أجل المسارعة في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني. منذ أن وقّعت قيادة المنظمة -التي هي قيادة حركة فتح-اتفاقيات أوسلو عام 1993، انتقل مركز العمل السياسي الفلسطيني من الخارج إلى الداخل…، وأخذت تظهر مجموعة من التداعيات دفع الشعب الفلسطيني أثمانا كبيرة لها طوال الـ 24 سنة الماضية، من أبرزها: تراجع اهتمام القيادة الفلسطينية بفلسطينيي الخارج وقضاياهم، وتكثيف همومها بالضفة الغربية وقطاع غزة والسعي لتحويل الحكم الذاتي والسلطة الفلسطينية هناك إلى دولة فلسطينية.
تضخُّم السلطة الفلسطينية وأجهزتها ومؤسساتها على حساب منظمة التحرير الفلسطينية؛ مع ضمور وتراجع خطير في بُنى ومؤسسات المنظمة التي أمست عملياً أقرب إلى دائرة من دوائر السلطة…، مما أفقد فلسطينيي الخارج إلى حدٍّ كبير الحاضنة السياسية والمؤسسية التي تحتضن همومهم وترعى قضاياهم. تمّ إبقاء الكثير من الهياكل المؤسسية والشعبية والنقابية التابعة للمنظمة، مع إفراغها من محتواها وحيويتها وقدرتها على العمل، والتفاعل مع قضايا وهموم أعضائها. وفي الوقت نفسه، كانت تتم محاربة أي نشاط نقابي أو مبادرات شعبية لتفعيل هذه المؤسسات -من داخلها أو من خارجها-باسم” الشرعية الفلسطينية“..؛ وهو ما أدى لإضعاف وتعطيل هذه المؤسسات، وضرب العمل الشعبي الفلسطيني في الخارج. انعكس هذا الواقع بشكل سلبي كبير على فلسطينيي الخارج الذين تراجع دورهم وضَمُر نتيجة الغياب الرسمي الفلسطيني وتعطيل العمل الشعبي ومؤسساته. وهذا أَضرَّ بشكل كبير بالتجمعات الفلسطينية في الخارج؛ فيما يتعلق بحمايتها والدفاع عن حقوقها المدنية وتوفير حياة كريمة لها من ناحية أولى؛ كما أضر وأضعف دور فلسطينيي الخارج في الشراكة السياسية في القرار الوطني الفلسطيني من ناحية ثانية.
ومن ناحية ثالثة، انعكس سلباً على ما يتعلق بحق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين ومخاطر التسويات السياسية التي تستهدف إلغاء هذه الحقوق، وتنفيذ برامج التوطين وغيرها. وفوق ذلك، فإن تعطُّل العمل الشعبي والنقابي -من ناحية رابعة-أضعف القدرة على إبراز كفاءات فلسطينية وأجيال قيادية شابة، تتابع مسيرة العمل الوطني الفلسطيني. وهكذا، أصبحنا نجد أنفسنا أمام مشهد” سريالي“ فلسطيني؛ فممثلو الطلاب والشباب في المجلس الوطني الفلسطيني تزيد أعمارهم على ستين عاماً؛ ومعدل أعمار أعضاء المجلس الوطني -الذي لم ينعقد منذ أكثر من عشرين عاماً-يزيد على السبعين عاماً. بناء على تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (في رام الله)، فقد بلغ مجموع الشعب الفلسطيني في العالم (في الداخل والخارج) نحو 12 مليوناً و700 ألف فلسطيني، وذلك في نهاية سنة 2016 (مطلع سنة 2017)؛ يعيش نحو ستة ملايين و290 ألفاً منهم خارج فلسطين، أي نحو نصف الشعب الفلسطيني (49.5% تحديداً). ويعيش نحو خمسة ملايين و590 ألفاً منهم في البلاد العربية (نحو 89%).
ومعظم هؤلاء يعيشون في” دول الطوق“المحيطة بفلسطين، وخصوصاً في الأردن (نحو أربعة ملايين يحمل معظمهم الجنسية الأردنية)، بينما يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في سوريا أكثر من 600 ألف وفي لبنان أكثر من 500 ألف. غير أن المعاناة الهائلة التي تعرض لها الفلسطينيون بسوريا في السنوات القليلة الماضية أجبرت أكثر من 120 ألفاً على الخروج من سوريا، بينما اضطر نحو 280 ألفاً للنزوح داخلها. أما في لبنان فإن العدد الحقيقي للفلسطينيين المقيمين لا يتجاوز 300 ألف، حيث اضطر الكثيرون للهجرة مع احتفاظهم بهوياتهم وسجلاتهم لدى الأونروا. وقد مثّل مؤتمرُ فلسطينيي أوروبا (الذي سيعقد دورته السنوية السادسة عشرة هذا العام) أحدَ مظاهر النجاح في حركة العودة، حيث يجتمع في هذا المؤتمر نحو 15 ألف فلسطيني؛ مما يجعله أحد أكبر التجمعات الشعبية الفلسطينية في العالم. وإلى جانب هذا المؤتمر، هناك مؤسسات عديدة ناشطة مثل مركز العودة الفلسطيني، والائتلاف الفلسطيني العالمي لحق العودة، ومجموعة ”عائدون“، وتجمع الشتات الفلسطيني في أوروبا وغيرها.
وفي مجال الحراك لتفعيل دور فلسطينيي الخارج، عُقد خلال السنوات الماضية عدد من الفعاليات نجحت في جذب اهتمام الكثير من الرموز والقوى الوطنية؛ مثل ”اللقاء التشاوري الفلسطيني من أجل حق العودة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية“، الذي عُقد ببيروت في 12-13 مايو/أيار 2007؛ و”الملتقى العربي الدولي لحق العودة“ بدمشق في 23-24 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بمشاركة نحو خمسة آلاف شخصية من 54 بلداً. الشعب الفلسطيني في الخارج هو جناح الطائر الفلسطيني الثاني إلى جانب جناح الداخل، ولا يمكن لهذا الطائر أن يحلِّق إلا بهما؛ ولا يمكن لعمل وطني فلسطيني أن يكون متكاملاً وناجحاً من دون أي منهما.
د. محسن محمد صالح