دولي
ما بين فتح وحماس أكثر من الخصومة السياسية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 جانفي 2017
سمحت "حماس" لأعضاء مؤتمر فتح السابع من غزة بالسفر إلى رام الله للمشاركة في المؤتمر، وشاركت حماس في فعاليات افتتاح المؤتمر، وألقى النائب عن الحركة في التشريعي أحمد الحاج علي بالنيابة كلمة رئيس الحركة خالد مشعل في حفل افتتاح المؤتمر، وسمحت السلطة بعد ذلك لحماس بإقامة احتفال محدود ومغلق في ذكرى انطلاقتها في رام الله. وشاركت حماس في اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت، وأخيرا يفترض أن تلتقي الفصائل الفلسطينية في الثامن عشر من الشهر الجاري في موسكو، في واحد من حوارات المصالحة. كل ما سبق لا يعطي أي إشارة على تجاوز حقيقي للمسائل المستعصية بين الفصيلين الكبيرين اللذين يقتسمان المشهد الفلسطيني، وأي انطباع من هذا النوع لا شك في زيفه، إذ لا تعدو علاقة الفصيلين الحالية بما توحيه من تجاوز لبعض المرارات أن تكون نتيجة طبيعية لتقادم الزمن على حدث الانقسام، وجريان مياه كثيرة أسفل جسور فلسطين والعالم، ولكن ما بينهما كان دائما أكثر من الخصومة السياسية وأكبر من الانقسام. صحيح لم تكن علاقة الحركة الإسلامية بفتح قائمة على التوازي الدائم، فباستثناء تنظيم الإخوان في غزة، الذي خرج منه مؤسسو فتح الأوائل، فانطبعت العلاقة منذ البداية المبكرة بالحساسية المفرطة، فإن بقية تنظيمات الإخوان في العالم العربي نظرت بإيجابية لفتح، وظلت تعتقد لفترة من الزمن أن هذه الجماعة المقاتلة انبثاق طبيعي عن الإخوان. بقي الإخوان العرب بعد ذلك يرون فتح أقرب الفصائل الفلسطينية إليهم، بالنظر إلى النزعة الماركسية الطفولية التي استحوذت على اليسار الفلسطيني من عمر الثورة المبكر، فكانت فتح هي اختيار جماعات الإخوان العربية لتعمل في ظل حمايتها في تجربة معسكرات الشيوخ، التي انتهت مع أحداث أيلول، التي على إثرها هيمن على فتح بدورها تيار يساري طوال الحقبة اللبنانية من عمر الثورة الفلسطينية. جمعت بين فتح وحماس بعد تأسيسها، ميادين النضال في الانتفاضة الأولى، وفي السجون، وفي الانتفاضة الثانية، ولم تخل حالات النضال العارمة تلك من علاقات التعاون والعمل المشترك، ولكن هذه الصورة أيضا ناقصة، وهي مضللة إن أخذت لوحدها. إذا كان قد عرف عن فتح قدرتها على استيعاب التنوع الفلسطيني خارج الأرض المحتلة، لاسيما في مرحلة الثورة، فإنها لم تكن كذلك داخل الأرض المحتلة، فقد التقت فصائل منظمة التحرير، وفي طليعتها فتح، داخل فلسطين على كبح صعود الحركة الإسلامية في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، على الرغم مما بشر به ذلك الصعود من إمكانية تحول الحركة الإسلامية إلى النضال الوطني وجمعها المقاومة إلى نشاطها الدعوي والفكري. بيد أن التحول الواضح نحو المقاومة، عزّز وعلى خلاف ما ينبغي، الحصار الذي تفرضه فصائل منظمة التحرير، وفي طليعتها فتح، على هذا الكيان الجديد، وأورثت تلك المرحلة إسلامييها مرارات ظلت مستمرة حتى السنوات الأولى من انتفاضة الحجارة. فقد تعرض الإسلاميون لسنوات طويلة إلى إيذاء جسدي مباشر داخل السجون من فتح وبقية فصائل المنظمة، ومقاطعة مستمرة، فضلا عن حرمانهم من كثير من حقوقهم باستغلال انحصار التمثيل الاعتقالي في فتح. بدت حماس منافسا لفتح، وبديلا محتملا لمنظمة التحرير، وعلى الأرجح، فإن "حماس" قد نظرت لنفسها كذلك، ولكنها كانت تسعى لتحقيق تصورها عن دورها بتكريس نفسها ومحاولة إثبات ذاتها بتعظيم نشاطها وتأكيد استقلاليتها، بينما كانت فتح تسعى لإفشال جهود حماس بالحصار والتشويه. وقد أكد ذلك لدى كوادر "حماس" الأولى، سواء في مرحلة مؤسسات الإخوان في غزة والكتل الإسلامية في الضفة، أو في السجون، أو في الانتفاضة الأولى، أن القوة والمعاملة بالمثل، وحدها الكفيلة بحماية الحركة الوليدة الصاعدة، وقد كان ذلك. لما دخلت السلطة الفلسطينية، والتي تشكل جهازها البيروقراطي بشقيه المدني والأمني من كوادر فتح، سواء العائدين من الخارج، أو من كادر الانتفاضة الأولى؛ افتتحت عهدها بقمع مُركّز شَلّ حركة حماس فعلا ولاسيما في قطاع غزة. اليوم خرجت فعاليات متعددة من فتح، على مستوى النشاط والمؤسسات، وعلى مستوى شخصيات قيادية، لتحرّض مباشرة ضدّ حماس في غزة، بل ضدّ مقاومتها الممثلة بكتائب القسام وبنيتها التي من أهمها الأنفاق، في استغلال لأزمة الكهرباء، ودون أن يردعها مرة أخرى، أن هذا التحريض عينه يمارسه الاحتلال. كان فوز حماس في الانتخابات التشريعية، القشّة التي قصمت ظهر العلاقة المشوبة دائما بالكراهية والشك، فلم تعد حماس منافسا محتملا، بل ولأول مرة صار ثمة شك في أن فتح هي الفصيل الفلسطيني الأكبر، وأنها "أم الجماهير". لأول مرة تجد فتح نفسها، على المستوى الوطني، رقما تاليا في المشهد الفلسطيني بعد حماس، وباختيار الجماهير. منذ تلك اللحظة صارت حماس العامل الأهم في توجيه السياسة الفتحاوية، فحتى الخطاب الفتحاوي الشعبوي تجاه الدول والقوى والفعاليات في فلسطين والإقليم والعالم يتحدد وفق علاقة تلك الأطراف بحماس، وعلى مستوى اللغة يميل الخطاب الفتحاوي الشعبوي، إلى إبداء كراهية صريحة تجاه حماس، لا تمتنع أبدا عن تعمد التشويه وتزوير الحقيقة، وهي لغة لا تتحرج أحيانا مستويات قيادية في فتح عن استخدامها.
ساري عرابي