دولي
مؤتمر فتح السابع.. مقدمات ونهايات
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 06 ديسمبر 2016
لم يكن لمؤتمر فتح السابع، الذي ختم أعماله الأحد الماضي 4 ديسمبر في المقاطعة مقر قيادة السلطة برام الله، أن يخرج بغير النتائج التي خرج بها وترتبت عليه، إن من حيث الشكل أو من حيث المضمون، لتأسيسه على اعتبارين مركزيين. الاعتبار الأول تكريس فتح حزبا للسلطة، يرتبط بها عضويا، ويعكس صورتها، ويستمد كينونته من الشروط الموضوعية لوجودها، ويصوغ ذاته وفق مصالحها وضروراتها وإكراهاتها، والاعتبار الثاني حسم الصراع ذي الطابع الشخصي بين الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان، وما يرتبط به من ضرورات لتجديد الشرعية، وتغذية السلطة بما يمنح محض وجودها شيئا من المعنى.
ولم يكن هذا التكريس إلا تأكيدا على حقيقة بدأت بالتبلور مع تشكيل السلطة الفلسطينية، واستيعاب كوادر فتح داخل الأرض المحتلة في أجهزتها، بينما عاد كوادرها من الخارج مفرّغين على جهازها البيروقراطي بشكل طبيعي، إن على الشق المدني منه أو الشق العسكري، وقد ظلت فتح بعد ذلك متماهية مع السلطة، وكأنها مفردة أخرى تُعبر عن ذات المعنى الذي تُعبر عن السلطة، تماما كأي نظام رسمي عربي آخر. لم تعد السلطة الفلسطينية مرحلة مؤقتة تنتهي بانتهاء الاتفاقية المرحلية والتي مضى على انتهائها أكثر من ستة عشر عاما، ومع الابتعاد الزماني عن مرحلة الكفاح، وامتزاج فتح بالسلطة ممارسة ومصالح وضرورات وجود، ووجود قيادة على رأس السلطة لا تؤمن بأي مقاومة جدية للاحتلال؛ جرى ترسيم الشكل الحالي لفتح" غير أن فتح حين قدوم السلطة كانت قريبة عهد بالنضال، فقد جاءت بالسلطة على رافعة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وعلى إرث الثورة الفلسطينية، ثم كانت رؤيتها السياسية مرتبطة بمشروع التسوية الذي حظي بدفع إقليمي ودولي ضخم، وقد أَدرج الوعي الفتحاوي مشروع التسوية في الحالة الكفاحية التي قادها، فلم ينفك عنها.
وذلك رغم ما تضمنه من تنازلات هائلة، وتحويله الكادر المناضل إلى كادر بيروقراطي يلتزم بتنفيذ الشروط الموضوعية التي أوجدت السلطة الفلسطينية، ولكن تماهي فتح مع السلطة حينها ارتبط بكون السلطة مرحلة مؤقتة في سياق نضال فتح على طريق إقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو/حزيران 1967.من ناحية الشكل، كان كل شيء سلطويا، من مكان انعقاد المؤتمر في مقر قيادة السلطة، إلى تسخير أجهزة السلطة المدنية والأمنية لخدمة المؤتمر ورعايته، إلى فرض مظاهر الهيبة والقوة بنشر القوات العسكرية والشرطية للسلطة داخل مدينة رام الله وعلى مداخلها، إلى توظيف مؤسسات السلطة الإعلامية كلها منبرا لفتح ومؤتمرها. وتداخل الشكل والمضمون السلطويان في حالة فصام عبرت عنها رقصات المؤتمرين على أهازيج الثورة الفلسطينية بالرغم من الخطاب السياسي المنبت تماما عن مرحلة تلك الأهازيج، فقد كان برنامج المؤتمر السياسي إعلان قطيعة فعلية عن مرحلة المقاومة والكفاح المسلح، وإعادة توظيف لحركة فتح لتمنح السلطة شرعية اجترار سياساتها التفاوضية في عملية تبرير لاستمرار الأمر الواقع على ما هو عليه. والحاصل أن المؤتمر السابع لم يبتدع تحويل فتح إلى حزب للسلطة، فهي قد صارت كذلك فعلا منذ تأسيس السلطة، ولكنه أعلن انتهاء مهمتها حركة للتحرر الوطني، وصيرورتَها نظاما رسميا عربيا لا يمكن فصله عن بنية السلطة القائمة بما أنها قد صارت كيانا دائما وغير متصل بالمواجهة مع الاحتلال، وإنما يستمد أساس استمراره ووظيفته من شرط الاحتلال.
من جهة الاعتبار الثاني الذي تأسس عليه المؤتمر، أي توظيف المؤتمر لحسم الصراع مع العضو السابق محمد دحلان، فقد كان المؤتمر خطوة ضرورية لقطع الطريق على ضغوطات بعض الدول العربية التي أرادت فرض مصالحة دحلان على الرئيس عباس، والمؤتمر هو الخطوة الأكبر في هذا الاتجاه، بما هو أعلى الهيئات التي تتشكل منها الهياكل القيادية، وتنبثق عنها البرامج السياسية. صحيح أن المؤتمر هو مؤتمر القيادة التي أشرفت على فحص عضويته، وعينت القسم الأكبر منه، وأدارته في مقر قيادتها، وباستخدام أدوات السلطة، وتحققت من نتائجه، وقد أعاد المؤتمر المُعين من قبلها انتخابها على نحو احتفالي في مفتتحه دون أي مراجعة لسياساتها وإدارتها، وتبنى برنامجها بالكامل، إلا أنه في النهاية مؤسسة تنظيمية شرعية، تظل مسألة الشفافية فيها مسألة تخص فتح وحدها. ولا يمكن لأحد في هذه الحالة من جهة الشرعية إلا التعامل مع المؤتمر السابع الذي نظمته اللجنة المركزية التي كان دحلان عضوا فيها والتي انبثقت عن المؤتمر السادس الذي سبقه، والذي كان دحلان أحد عرّابيه، وهذا يُفسر تعامل حركات المقاومة مع هذا المؤتمر بما هو امتداد طبيعي لنتائج المؤتمر السادس الذي سبقه.
وفي هذا الاعتبار أيضا، حقق خصوم دحلان، وفي طليعتهم اللواء جبريل الرجوب، مكاسب كبرى جعلتهم أكبر المستفيدين منه، الأمر الذي يكشف من ناحية استفادة مراكز القوى من خلاف الرئيس عباس مع دحلان، كما يكشف من ناحية أخرى سيولة حركة القوة داخل فتح صعودا وهبوطا، ويمكن ملاحظة تحولات القوة والضعف في فتح في صورة درامية بمشاهدة الصراع بين اللواءين الرجوب ودحلان منذ العام 2002 وحتى اللحظة. من غير المتوقع أن يُسَلم دحلان بإقصائه نهائيا بهذه الخطوة الكبيرة التي قادها الرئيس عباس، وإذا كانت فكرة تأسيس جسم موازٍ مستبعدة فيما مضى، اعتبارا بكل تجارب الانشقاق الفاشلة في فتح، فإنها لم تعد مستبعدة الآن، ولاسيما بعدما دعت إليها شخصيات كبيرة في مجموعة دحلان، ولكن الأمر برمته يظل مرهونا بموقف الإقليم من نتائج المؤتمر السابع.
ساري عرابي