دولي

استطلاعات الرأي في فلسطين... مؤشرات ومحدّدات

القلم الفلسطيني

توسّعت صناعة استطلاعات الرأي في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 على مدار العقدين الماضيين، وجذبت اهتمام الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين، إلى درجة تمكننا من نعت فلسطين "جمهورية مراكز الاستطلاعات". نظرياً، تسعى استطلاعات الرأي إلى قياس "المزاج العام" وفحصه، وهذا مهم للغاية. 

ولكن، عملياً قلّما تؤخذ نتائج هذه الاستطلاعات على محمل الجد، وتحظى بالاهتمام الكافي في دوائر التخطيط الاجتماعي، أو السياسي، أو في أروقة صنع القرار الفلسطينية. تحظى نتائج الاستطلاعات هذه ببعض الاهتمامات الخاصة، والعشوائية غير المنظمة في أغلب الأحيان، بالإضافة إلى بعض الاهتمام الإعلامي، خصوصاً عندما تكشف عن بعض النتائج الملفتة للنظر أو المقلقة أو المثيرة لبعضهم، خصوصاً إنْ تعلق الأمر بحقوق اللاجئين وقضاياهم، أو الجدل حول حل الدولة الواحدة أو الدولتين، أو إنْ تعلق بنتائج الانتخابات الفلسطينية المستقبلية.

وفي استطلاع للرأي، ظهرت نتائجه أخيراً، وأجراه مركز القدس للإعلام والاتصال، على عينة شبابية، تتألف من ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً في الضفة الغربية (625 مبحوثاً) وقطاع غزة (375 مبحوثاً) ظهرت بعض النتائج التي تسترعي انتباهاً ومعالجةً وتحليلاً نقدياً بنّاء. فقد وصف التقرير السردي لنتائج الاستطلاع أن أغلبية المستطلعة آراؤهم تحمّل حركة حماس مسؤولية تأجيل انتخابات المجالس المحلية، والتي كان من المزمع انعقادها في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2016. وأشار التقرير إلى أن أكثرية الشباب المستطلعة آراؤهم يؤمنون بضرورة بقاء السلطة الفلسطينية، والحفاظ عليها، على الرغم من تقييم أدائها سلبياً.

وقد حظي هذان المؤشران باهتمام إعلامي فلسطيني وإسرائيلي ودولي لافت، إلاّ أن المطلوب هو فهم أعمق وأدق، يقوم بمَشكلة هذه النتائج ويحللها بشكل أكثر نقديةً. جرى استطلاع مركز القدس للإعلام والاتصال في سياق وزمان معينين، يتميزان بقلق وترقب فلسطيني لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وبخوف مما ستحدثه التناحرات والانشقاقات الفتحاوية الداخلية، إضافة إلى تجذر حالة السلطوية القمعية البوليسية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، وما يصاحب ذلك من انتشار لثقافة الخوف. ومن دون أدنى شك، ساهمت هذه العوامل في التأثير على نتائج الاستطلاع. ولم تكن هذه "العوامل المحيطة" المؤثر الوحيد؛ فثمّة عوامل منهجية وبنيوية أخرى، لا تقل أهميتها عن "العوامل المحيطة"، ساهمت في تشكُّل النتائج، كتلك المتعلقة بكيفية عرض النتائج، إضافةً إلى الخيارات المتاحة للإجابة للمستجوبين. 

للتدليل على هذه العوامل المنهجية والبنيوية، لنأخذ المثالين الرئيسيين والمتطرق إليهما أعلاه.  أولاً، جاء في نتائج الاستطلاع أن أغلبية المستطلعة آراؤهم (24%) تحمّل حركة حماس مسؤولية تأجيل انتخابات المجالس المحلية. ولكن هذه الاستنتاج إشكالي، وربما خاطئ، لأن نتائج الاستطلاع نفسه أشارت إلى أن 19% و10% من المستطلعة آراؤهم يحملون حركة فتح والسلطة الفلسطينية على التوالي مسؤولية تأجيل انتخابات المجالس المحلية. وكما هو معروف، حركة فتح والسلطة وجهان لعملة واحدة ويتماهيان بشكل كبير. وبالتالي، فإن 29% من المستطلعة آراؤهم يحمّلون حركة فتح والسلطة الفلسطينية مسؤولية تأجيل انتخابات المجالس المحلية. وتختلف هذه النتيجة، بشكل ملحوظ، عن الواردة في ملخص نتائج الاستطلاع، وما لحقها من تغطية إعلامية واسعة.

ويجب أن تسترعي هذه الملاحظة الاهتمام للمستقبل، لأن "تغليف" المعلومة و"تقديمها" جزء مهم من المعادلة المعرفية، وهذا "التغليف والتقديم" من الممكن إساءة استخدامه في المستنقع السياسي الحالي، إضافة إلى أهميته في تشكيل الوعي المعرفي العام. ثانيا، تفيد نتائج الاستطلاع بأن أكثرية الشباب المستطلعة آراؤهم (64%) يؤمنون بضرورة بقاء السلطة الوطنية الفلسطينية، والحفاظ عليها، على الرغم من تقييم أدائها سلبياً، بدلا من حلها (27%). الانشطار الثنائي ما بين الحفاظ على السلطة الفلسطينية، أو حلها، يعكس إشكاليات سياسية ومنهجية، تقوم على افتراض فرضيات معينةٍ ليست دقيقة أو صحيحة بالضرورة.  كذلك، من المهم تذكّر أن حوالي مليون فلسطيني يستفيدون بشكل مادي، ويعتمدون على السلطة الفلسطينية بشكل مباشر وغير مباشر، وهذا يبرّر النسبة العالية للمستطلعة آراؤهم، والذين يحاججون بضرورة بقاء السلطة الفلسطينية والحفاظ عليها، إذ تقتضي مصلحة هذه الفئة من المجتمع الفلسطيني بقاء الوضع كما هو، على الرغم من أنهم يقرون بسوء أداء السلطة الفلسطينية.

علاء الترتير

 

من نفس القسم دولي