دولي

وعد بلفور.. مائة عام من الظلم

القلم الفلسطيني

 

تدور دورة الزمن وتحل الذكرى التاسعة والتسعون على إطلاق وعد بلفور، ذلك التعهد الرسمي البريطاني الذي قطعه وزير الخارجية آنذاك آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1917 نيابة عن حكومته لشخصيات يهودية بريطانية بارزة بمنح اليهود وطنا في فلسطين على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض؛ حيث كانوا يشكلون أكثر من 94% من تعداد السكان. 

هي ليست مجرد ذكرى لحدث وقع قبل قرن وانقضى فنتوقف عندها في دراسة تاريخية أكاديمية تأخذ الدروس فحسب، إنما هو حدث متشعب استمرت آثاره دون انقطاع طوال العقود العشرة الماضية ورسم كل مشهد من مشاهد القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها وتعقيداتها. لا نبالغ إن قلنا إن كلمة "بلفور" هي من الكلمات الأكثر تداولا في القاموس السياسي الشعبي الفلسطيني، فهي لم تفارق مخيلته، ولم يبرح توجيه اللوم الدائم لبريطانيا على ما اقترفت بحقه، حتى إن كتلة كبيرة من الضمير الوطني الجمعي الفلسطيني ما زالوا يضعون بريطانيا في مصاف العدو.

يُجمع الشعب الفلسطيني على أنها جريمة مكتملة العناصر وواضحة، بحيث لا يعجز فيها الادعاء في حال انعقاد أية محكمة على إدانة بريطانيا على فعلتها النكراء بحق الشعب الفلسطيني؛ فهي وقعت على رؤوس الأشهاد ودون مواربة وبشكل مباشر فج، وفعلها من لا يخشى العقاب، وفي هذا تفسير للخلفية العنصرية الاستعلائية الغربية والبريطانية جزء رئيسي منها في التعامل مع شعوب الأرض. وهذا بالمناسبة وصف للعقلية الاستعمارية التي تحكمت في مصائر الشعوب الأصلية في بلدان العالم، والأدبيات والشهادات الموثقة للقادة الغربيين في النظرة الدونية للآخر أوضح من أن تُخفى.

ويقابل الصورة القاتمة للدور البريطاني عند الشعب الفلسطيني، صورة احتفالية يملؤها الابتهاج والامتنان من قبل اليهود تجاه بريطانيا على المكرمة والدور التاريخي الذي خلق لهم دولة من عدم، في ظرف استثنائي تَحول كل العوامل الطبيعية دون قيام كيان سياسي وتحرك مجاميع بشرية فيه في اتجاهين متضادين على رقعة جغرافية لا تسمح بهذا التداخل. وهذا سبب إضافي يُعظِّم من أهمية الحدث، فقوة تأثيره وامتداداته الزمنية استمرت لهذه اللحظة. ولعلنا نجزم بأن الذكرى المئوية التي تحل العام القادم لن تمر دون توقف جاد من قبل طرفي الصراع؛ فمظاهر الإعداد الصهيوني بدأت باكرا في أروقة ودهاليز السياسية في لندن في محاولة جادة من الصهاينة لتجديد التعهد والتأكيد على بقاء الالتزام وتحقيق مزيد من المكاسب. وظهر ذلك في التصريح الذي جاء على لسان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون خلال كلمة له أمام الجالية اليهودية من أنه "سيحتفل" بالذكرى في أحضان الجالية، واستدركت الخارجية البريطانية لاحقا على التصريح.

هناك أبعاد سياسية وقانونية لوعد بلفور نتجت عنها مأساة إنسانية وواقع لجوء فلسطيني لم تنقض فصوله، والنكبة المتجددة لفلسطينيي سوريا دليل صارخ على استمرار المعاناة وتنوعها. كل ذلك يعطينا مادة غنية وثرية للتصعيد ضد بريطانيا لدفعها للاعتراف بما ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في خطوة لو تمت سيكون لها ما بعدها من دخولنا في زمن التقدم الفلسطيني والتراجع الصهيوني على صعد جديدة.

يجب أن نعترف بتقصيرنا كشعب فلسطينيي في التأخر في فتح ملف الدور البريطاني الإجرامي بحق الشعب الفلسطيني، فالوسائل المتاحة والمنوعة وفي مجالات عديدة ضمن السقوف السياسية المسموح بها كان من شأنها لو تمت أن تحقق مكاسب تجعل من الواقع الفلسطيني أفضل بشكل ملموس. فالتمادي البريطاني ومن ورائه الغربي الداعم وبلا حدود للكيان الصهيوني ودون توقف، ما كان له أن يكون بهذا المستوى لو كانت هناك مواقف وخطوات محرجة له لناحية إدانته.

وثبت في السياسية أن أشكال الضغط مهما قلَّت تحقق اختراقات في القضايا المختلفة، والدور البريطاني في الواقع الفلسطيني ليس استثناء. المطلوب هو حراك فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي مؤمن بالحق الفلسطيني الشامل سواء كان تنسيقيا أو مبادرات موازية حسب استطاعة الجميع، وعامل الوقت مهم في ضرورة البدء وعدم الانتظار حتى نضمن تشكل حالة الضغط بشكل مبكر.

التحرك في المخيمات الفلسطينية في الداخل والخارج وإقامة فعاليات على مدار سنة كاملة دون توقف كفيل بفرض القضية، وأن تكون لذلك أصداء إعلامية. الفضاء الإعلامي الفلسطيني والداعم لفلسطين يقع على عاتقه دور بالغ الأهمية. نشطاء التواصل الاجتماعي كوسيلة عابرة للحدود ومتوفرة على مدار الساعة وبلغات عديدة، ستؤثر حتما في خلق أجواء تُذكر بما حدث وتطرح أفكارا للتعاطي مع الملف. ونعتقد بشكل عملي أن إقامة اعتصامات سلمية قانونية دائمة أمام السفارات البريطانية في دول اللجوء الفلسطيني له رمزية عالية، بل نعتقد أن له نفاذية سياسية.

وكذلك الاعتصامات من قبل المجاميع الداعمة للحق الفلسطيني في الدول العربية بل وعبر العالم أيضا مطلوب وهام ومؤثر ويشكل ظاهرة عالمية حضارية جادة غير مسبوقة لدعم المطالب الفلسطينية.

 

 

ماجد الزير

 

من نفس القسم دولي