دولي

اليونسكو لم تنكر علاقة اليهود بالقدس

القلم الفلسطيني

 

تصاعدت الحملة على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منذ أيام. أقول تصاعدت، لأنها في الواقع لم تتوقف منذ منتصف أفريل.

ولأننا نشهد اليوم، كما سنرى في سياق هذا النص، واحدةً من مراحل معركةٍ مازالت في تصاعدٍ، أرجح أنه مستمر. لم يتغير اللاعبون، ولم يشهد محتواها تعديلاً يُذكر، وظلت الأسلحة المستخدمة هي الأسلحة نفسها التي تقتحم الميدان، في كل مرة يثارُ فيها الغبار، وهي هنا، بحسب وزير العلوم الإسرائيلي، عوفير أكونيس: صورة إسرائيل الضحية التي تواجه عدواناً مدبراً من الأمم المتحدة، وأن عليها العمل على "صد هذا الهجوم في أسرع وقت ممكن". 

بدأت الجولة الحالية، قبل الجلسة الافتتاحية للمجلس التنفيذي (5 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) بضغوطٍ مارستها الولايات المتحدة الأميركية وأصدقاؤها من أعضاء المجلس، لمعارضة مشروع القرار الذي أعدته كالعادة فلسطين والأردن (في اليونسكو كما في رام الله وعمّان)، بالتعاون مع المجموعة العربية التي ستقدمه باسمها.

وقد أثّرت كثافة الضغوط، من غير ريب، على نتائج التصويت على مشروع القرار المتعلق بفلسطين المعنون بـ(فلسطين المحتلة) بشكل خاص، ودفع المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، إلى إصدار تصريح صحفي، تتنصل فيه مواربةً من مشروع القرار.  ما هي قصة قراري اليونسكو؟ وما هو الجديد فيهما؟ ولماذا ثارت ثائرة بنيامين نتنياهو ودفعته إلى إعلان ما يشبه الحرب على اليونسكو؟  ملاحظتان لا بد منهما بهذا الخصوص. تتعلق أولاهما بالقرار موضع الضجة الحالية، وثانيتهما تتعلق باستراتيجية إسرائيل الفعلية منهما.

وأكرّر هنا ما كنت كتبته في مقال سابق بخلاف كل هذا اللغط الذي يملأ الأفق، ويعطي الانطباع بأن أمراً جللاً وقع بخصوص القدس، أفتتحُ بالقول إنه لا جديد في لغة قرار اليونسكو، لا جديد على الإطلاق. ذلك أنها بخصوص القدس لم تتغيّر منذ عشرات السنين. والمُصطلحاتُ التي "تُستنكرُ" هنا هي نفسُها المعتمدةُ لدى اليونسكو، وفي الحقيقةِ لدى منظومةِ الأمم المتحدة، منذ نشأت قضية القدس غداة الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967. فالوضع القانوني للقدس أنها مدينة محتلة، ينطبق عليها ما ينطبق على أية منطقة محتلة من مواثيق ومعاهدات تخص السكان والمواقع والآثار، ويتوجب على القوة المحتلة الحفاظ عليها من غير مساس وحمايتها من كل انتهاك.

ولأن اليونسكو جزءٌ من منظومة الأمم المتحدة، فإن قراراتها جميعَها (قرارات المجلس التنفيذي والمؤتمر العام) تعكسُ قرارات الأمم المتحدة (مجلس الأمن والجمعية العامة) والمواثيق والاتفاقات الدولية التي تنظم عملها. ويتعذّر عليها، بالتعريف الضروري، أن تتبنى لغةً تغايرُ لغةَ منظومةِ الأمم المتحدة و/ أو تجافيها و/ أو تخرج عن مضمونها، غير أن إسرائيل تتوخّى، بلعبة التسميات، شرعنة الوضع القائم، أي تحويله، عبر المصطلحات، إلى وضع شرعي، بدلالة المصطلحات التي تعمل على تغييرها.  هكذا ظلت قرارات اليونسكو تنظر إلى كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، على أنها أراضٍ محتلة، وأنه يترتب على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات، في مقدمتها، فيما يخص موضوعنا، الامتناع عن إحداث أي تغيير في الوضع السابق على الاحتلال.

في 1969 أدانت اليونسكو إسرائيل على تهديمها حي المغاربة، وطلب منها المؤتمر العام في 1972 عدم المس بالمواقع الأثرية والمباني والممتلكات، وبالامتناع عن أي تعديل في الطابع الفريد للمدينة القديمة، وبالكف عن أي تنقيب أركيولوجي باعتباره يهدّد معالم المدينة وخصوصيتها. ومن المفيد الإشارة إلى أن الاستخدام الدائم لمصطلح القوة المحتلة في قرارات اليونسكو ليس سلبياً بحد ذاته؛ ذلك أنه يحيل إلى التزامات الدولة المحتلة، بحسب اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها وغيرها من المواثيق الدولية، بخصوص المناطق الخاضعة للاحتلال وبخصوص سكانها. 

ولا يخرج مشروع قرار (فلسطين المحتلة) الجديد عن ذلك على الإطلاق، فهو يؤكد في البند الثاني على "أهمية مدينة القدس القديمة وأسوارها بالنسبة إلى الديانات السماوية الثلاث"، غير أنه يدين ممارسات إسرائيل: "رفض تنفيذ إسرائيل قرارات اليونسكو السابقة المتعلقة بالقدس"، و"امتناع إسرائيل عن وقف أعمال الحفر والأشغال المتواصلة في القدس الشرقية"، و"الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة" التي "تحدّ من تمتع المسلمين بحرية العبادة ومن إمكانية وصولهم إلى الموقع الإسلامي المقدّس المسجد الأقصى/ الحرم الشريف"، و"يستنكر الاقتحام المتواصل للمسجد الأقصى/ الحرم الشريف". ويأسف لـ"رفض إسرائيل منح تأشيرات دخول لخبراء اليونسكو"، ولرفضها "تعيين ممثل دائم لليونسكو يعمل في القدس الشرقية" .. إلخ. 

لا ينكر مشروع قرار (فلسطين المحتلة) إذن علاقة اليهود بالقدس، لكنه ينتقد ويدين ويستنكر سلوك إسرائيل الدولة المحتلة، وسياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين، ومنعها لهم من ممارسة شعائرهم الدينية المقدّسة، ومن الوصول إلى المسجد الأقصى بحرية. ويأسف لعدم تعاونها مع اليونسكو، ورفضها تطبيق قراراتها.

 

 

 

محمد حافظ يعقوب 

 

من نفس القسم دولي