دولي
ملاحظات على هامش تجدد العمليات
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 سبتمبر 2016
كانت الشهور القليلة الفائتة قد شهدت انخفاضاً في منسوب عمليات المقاومة الفردية، لكنها شهدت تبلور عمل منظم غير عشوائي، رغم أنه جرى على فترات متباعدة وليس بشكل مكثف، ولعل شهر رمضان الفائت كان الأكثر كثافة وتركيزاً في هذا النوع من العمليات، حتى ذهب بعض المتابعين إلى توقع أن يكون هذا إيذاناً بانتهاء ظاهرة عمليات الطعن العشوائية التي لا تخلّف إصابات محققة في صفوف الاحتلال وتؤدي في الغالب إلى استشهاد فوري للمنفذين وقبل أن يتمكنوا من إصابة جنود الاحتلال أو مستوطنيه.
لكن المفاجأة كانت أن تعود هذه الظاهرة للتجدد بعد مضي عام على اندلاع موجة العمليات في الضفة والقدس، وأن تكرر نفسها من حيث الأسلوب ونوعية المنفذين والمدى العمري الذي ينتسبون إليه، إضافة إلى تركّزهم في منطقتي القدس والخليل، تماماً كما كان الحال عليه خلال العام الماضي.
وهذه المرة (كما سابقا) رافق الظاهرة جدل إعلامي محتدم حول متعلّقاتها كافة، فهناك من انشغل بمناقشة الجدوى، وهناك من ركز جهده على شتم الفصائل التي أدى غيابها إلى ظهور أعمال عشوائية لفتية لم يتجاوزوا العشرين عاما، بينما انشغل آخرون بهجاء من يتبنى ما يسمى برواية الاحتلال حول نوايا الشهداء، مطالباً أن تركز الصياغة الإعلامية على أنهم أُعدموا ميدانياً ثم تم وضع السكاكين إلى جانبهم وتصويرها.
وفي الحقيقة فإن نقاش الجدوى شائك وطويل، وقل أن يخلص المرء منه إلى نتائج مثمرة، لأنه يغيب في خضم هذا النقاش استحضار أن الظروف في الضفة والقدس ليست مثالية، كما أنها غير مُعينة على المقاومة، وأنّ شح السلاح وتغييب جهد التنظيمات المقاومة قد أحدثا فراغاً تلقائياً في الميدان، فكان طبيعياً أن يملأ هذا الفراغ عمل مقاوم يفتقر إلى التخطيط، إذا ما تحررت إرادة النضال وباتت تجلياتها تتفاعل في نفوس شباب يتوق للجهاد وللانخراط في مسيرته، بمعنى أن المتعطش لشغل دور مقاوم سيبحث عن كل أداة ممكنة أو متاحة، وقلّ أن تجد من يتأنى ويخطط بإحكام ويجتهد في توفير عوامل النجاح لعمله. ولا يعني هذا الكلام مباركة العشوائية أو تمجيدها، لكنّ اللافت هنا أن أشكال المقاومة الشعبية وخصوصاً بالحجر قديماً وحديثاً لم تشهد جدلاً مماثلاً أو اعتراضاً ملحوظا، رغم أنها كانت في بعض الفترات تخلّف عدّة شهداء يوميا.
تغيب أيضاً عند مناقشة ظاهرة العمليات الفردية حقيقة أن أبطالها قد نفذوها بإرادتهم الخاصة ودون دفع من أحد، وهنا يصبح جلد التنظيمات بلا معنى ومجرد كلام للاستهلاك العام، ليس فقط لأنه ما من حدود فاصلة بين التنظيمات وبقية المجتمع، بل أيضاً لأننا شهدنا تجلّيات عمل منظم ومخطط رعته فصائل المقاومة، وخصوصاً حماس، خلال هذه السنة الأخيرة. لكن إمكاناتها في ظل الملاحقة الشرسة التي تتعرض لها لا يمكن أن تستوعب كل راغب بالمقاومة ليتم تنظيمه وتوجيهه وتوفير بيئة حاضنة لطاقته.
أما عن جدلية (تبني رواية الاحتلال) فلعلّها الأخطر في هذا السياق، لأن من يريد الانتصار للحقيقة والمصداقية عبر القول إن معظم الشباب استشهدوا بعد تنفيذهم عمليات طعن أو محاولتهم ذلك سيتهم فوراً بأنه بوق للاحتلال، ومع أن الكاميرات في أماكن الحدث رصدت في الغالب وجود نية حقيقة لدى أغلب الشباب لتنفيذ عمليات، إلا أننا ما زلنا نجد كثيراً من وسائل الإعلام وبعضها فضائيات مهمة تروج لفرضية الإعدام الميداني وتحاول تأكيدها كظاهرة لدرجة أن بعض الناس صاروا ينسجون أساطير حول حوادث إعدام خيالية على الحواجز الصهيونية. والغريب أن من يروج لهذا قد اندفع أحياناً وتحت وطأة ضيقه بالعشوائية إلى اتهام وسائل إعلام فلسطينية تابعة لفصائل المقاومة بأنها تحرّض الشباب وتتحمل مسؤولية اندفاعهم لتنفيذ عمليات دون تخطيط، وهو هنا قد انخرط دون أن يدري في ترديد رواية الاحتلال حول هذه المنابر وبرر استهدافها، رغم أنه يعيب على غيره ما يسميه تبني رواية الاحتلال حين يتعلق الأمر بعمليات الطعن.
إجرام المحتل الصهيوني معروف منذ عقود، ولن نضيف جديداً حين نقول إنه يعدم الشباب ميدانياً ويلفق لهم تهماً بمحاولة تنفيذ عمليات أو يصوّر السكاكين إلى جانبهم، لكننا هكذا، وحين نغالط الحقيقة ونعاكس المنطق ونتجاهل الأحداث الموثقة بالكاميرا فإننا نهيل التراب على قيمة المقاومة، ونتبرأ بسذاجة من حق شعبنا في مواجهة محتله الغاصب، ونصور مجموع الناس بأنهم قطيع وديع يُذبح دونما مقاومة ويستسلم لمصيره طائعا، وهو أمر سينال تدريجاً من عزائم الناس ويجعلهم قابلين للعبودية شيئاً فشيئا، ولتقبّل التنصل مما يدعو للفخر والعزة.
لمى خاطر