دولي
سيناريو التأجيل
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 أوت 2016
انتهى تسليم قوائم الانتخابات البلدية في اللحظات الأخيرة للمواعيد المحددة، وربما يكون هذا التأخر بسبب المشاكل العديدة التي واجهتها الفصائل في إعداد النسخة الأخيرة من كل قائمة، أو أن القوائم المتنافسة لا ترغب في كشف هويات مرشحيها إمعانًا في السرية وتحضيرًا لانتخابات لها تبعاتها السياسية.
ببساطة إن سيناريوهات النتائج المتوقعة ليست معقدة؛ فهي -لا شك-ستكون إحدى السيناريوهات التي تنتج عن أي انتخابات في القوائم النسبية، وهي الشراكة برئاسة الكتلة الكبرى، أو الشراكة بتقاسم الرئاسة زمنيًّا مناصفة. كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن سيناريو تأجيل الانتخابات البلدية المزمع عقدها في الثامن من أكتوبر هذا العام، الانتخابات استحقاق دستوري وقانوني، لكن المشكلة تكمن في أن الدستور والقانون شبه معطلين في بلادنا لأسباب متعددة، لا أظنها تخفى عن كل ذي لب، فضلًا عن المواطن العادي المتميز بذكائه الفطري والسياسي، إن الحديث المتكرر عن سيناريو التأجيل يجعل الأمر ليس مجرد أضغاث تصريحات لمجموعة من الهواة، بل تلج بهذه التصريحات في دائرة الجدية والقابلية، فالتأجيل ليس أمرًا يخص السلطة أو الحكومة وحدهما، بل هو أمر ذو علاقة مباشرة بالجمهور الفلسطيني الذي ينتظر تحريك الوضع السياسي المتسم بالجمود منذ عقود، نتيجة انسداد الأفق السياسي وحدوث الانقسام، إن أي تأجيل مهما كان فإنما يحمل في طياته استخفافًا بالمواطن، ودوره الذي همش منذ مدة ليست بالهينة؛ فهو (أي المواطن) يريد أن يسمِع صوته الصندوق ويرسل رسائله إلى كل المعنيين محليًّا وإقليميًّا. إن الوضع في الضفة ليس بأفضل منه في غزة التي تعاني حصارًا تاريخيًّا امتد ما يقارب عقدًا من الزمان تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، الذي -على ما يبدو-أصيب بالصمم والعمى معًا في قضايا دون أخرى، في دلالة واضحة على استمرار ازدواجية المعايير وانحيازه غير المبرر للاحتلال.
تشير العديد من التقارير والتسريبات السياسية والاستخبارية والأمنية من مهتمين ومختصين إلى أن تحذيرات ساخنة وصلت إلى مكتب عباس بالمقاطعة، تؤكد له أن إجراء الانتخابات انتحار سياسي، هذه التقارير والتسريبات قد تكون مقصودة وحقيقية وترمي إلى استمرار توتير الجبهة الداخلية، وهي قد جاءت من جهات استخبارية عالمية وإقليمية أهمها (سي آي إيه) و(شاباك) والأمن الفلسطيني، قد تكون أهداف هذه التقارير والتسريبات متعددة، وهي ليست موجهة فقط إلى محمود عباس، بل ربما إلى جهات أخرى، فتفهمها وتحللها كما تشاء في إطار مصالحها أو ما يخدم صانعي القرار فيها، ولا شك أن تزامن صدور هذه التقارير له إيحاءاته المختلفة، إضافة إلى تقاطع المعلومات فيها؛ فله أيضًا إيحاءات أخرى لكل الأطراف التي باتت ترقب من كثب الماكنات الفلسطينية، وهي تعمل كخلايا نحل على مدار الساعة في التحضير للانتخابات.
وبغض النظر عن مدى جدية وموثوقية هذه التقارير، فإن القراءة العادية أو المعمقة للوضع في الضفة وغزة تشير إلى أن النتيجة ستكون مرتبطة مباشرة بالوضع في المنطقتين، وعلاقة الحكم بالجمهور في كلتيهما؛ ففتح وحماس تدركان أن إحداهما ستحصل على نتيجة أفضل في مكانٍ، ونتيجة أقل في مكان آخر؛ فالقاعدة المعروفة في أي انتخابات هي أن الصعود والهبوط في المنسوب السياسي لدى الجمهور مرتبطان حيويًّا وعكسيًّا بطول مدة الحكم الذي يولد نوعًا من الملل، ما يتطلب التغيير بما يضمن تداولًا للحكم بين المتنافسين عليه. إن حالة الخوف التي تنتاب بعض الجهات من النتائج حالة طبيعية؛ فمن رضي بالصندوق أداة لتداول الحكم السياسي أو المحلي يجب أن يقبل النتائج ويسلم بها، مهما كانت، أما استخدام السلطة للتأثير في النتائج، أو إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، أو المس بهما من قريب أو من بعيد؛ فهو دلالة على أن هذا الطرف أو ذاك يخشيان النتائج ويهابانها، بل إن ذلك إقرار بالفشل في إدارة الحكم سياسيًّا أو محليًّا أو كليهما، إضافة إلى تغلب النزعة التسلطية على العقلية السياسية التي تحكم. إن تأجيل الانتخابات أو إلغاءها أو إلغاء نتائجها هروب من الاستحقاقين القانوني والوطني، اللذين لا شك أنهما يتكئان على ما هو أعلى من ذاتهما، وهو البعد القيمي في المنظومة الاجتماعية، وحينها يختزن المواطن في ذاكرته أو عقله الباطن مجموعة من الإهانات التي تصوبها إلى قلبه جهة ما أو جهات لا ترغب أن تمنحه حقه في ممارسة دوره السياسي والاجتماعي أو الرقابة الفردية على جودة تطبيق القانون.
إن احترام إرادة الجمهور وتحقيق رغباته والعمل في سبيل مصلحته هي الأركان الأساسية في العقد الاجتماعي المتعارف منذ فجر التاريخ بين الحاكم والمحكومين، وإن الإخلال بركن فرعي أو رئيس من تلك الأركان هو نوع من الإخلال بالعقد جزئيًّا بين الطرفين، قد تتراكم مظاهره لتصل إلى حد غير مقبول، الأمر الذي تترتب عليه تبعات مختلفة.