دولي

بين الحزبي والمهني

القلم الفلسطيني

تسود الساحة الفلسطينية نقاشات متباينة في ظل مشهد الانتخابات المحلية ومتعلقاتها، ويتداول المتابعون مصطلحات ومفاهيم تتعلق بتفصيلاتها الإجرائية من قبيل "القوائم المهنية" "والكفاءات غير الحزبية" ونحو ذلك. لدرجة بات يتأكد فيها بعض الانطباعات المغلوطة كافتراض أن الحزبية مناهضة بالضرورة للمهنية، وأن الكفاءة هي مستقلة بالضرورة، أو الاعتقاد بأن مفتاح إنقاذ الحالة الفلسطينية يتمثل باعتماد كل ما هو مستقل أو بعيد عن فكرة الأحزاب.

والحقيقة أن المفهوم الحزبي أو الفصائلي يُظلم مرتين في هذا السجال الدائم؛ الأولى عند الخلط بين جميع الفصائل والتعامل معها كلها وفق منظور واحد دون تفضيل أو تمييز بدلاً من تقييمها بناء على أدائها السياسي والوطني، والثانية حين يتم شيطنة فكرة الانتساب للأحزاب نفسها وتصوير أن الأحزاب وجمهورها سبب البلاء في الحالة الفلسطينية ومن أسباب أزمتها، وكأن هناك فصلاً ميكانيكياً بين جمهور الأحزاب وبقية الشعب، أو كأن ابن التنظيم هو عنصر فاسد في المجتمع بالضرورة، ويبلغ التخليط ذروته حين يتورط في الترويج لهذه الفكرة مثقفون وأكاديميون وإعلاميون، لا تخلو جعبة كثير منهم من الأجندة الخاصة أيضاً التي تنتعش بالاعتياش على هذا النوع من الغوغائية الفكرية والسطحية البائسة حين تصبح متداولة بين العوام بنمطية مستهلكة وتطرح لتبرير الانسحاب من دائرة الفعل والانغلاق على المصلحة الخاصة والدوران في فلكها.

المفهوم الحزبي أو الفصائلي يظلم مرتين في هذا السجال الدائم، الأولى عند الخلط بين جميع الفصائل والتعامل معها كلها وفق منظور واحد دون تفضيل أو تمييز بدلاً من تقييمها بناء على أدائها السياسي والوطني

تصبح الحزبية مرضاً وآفة حين يتحول أنصارها إلى عبيد لتنظيمهم وليس عاملين لغايته، أو حين يصبحون مروّجين لانزلاقاته الخطيرة، أما التنظيم الوفي لمشروعه وغاياته الكبرى فيفترض أن يظل محل احترام حتى لو اكتنفت مسيرته أخطاء وإخفاقات، ودون أن يعني ذلك تزيين هذه الإخفاقات أو التحايل على نتائجها، لكن التنظيم يبقى شكلاً مهماً ومطلوباً للممارسة السياسية الناضجة بجميع أبعادها، وفي الحالة الفلسطينية يجب أن نقرّ بأن مقاومة المحتلّ نهضت على أكتاف التنظيمات بدرجة أساسية، ولم تأتِ بشكل عشوائي أو فردي، وأنها حين اقتصرت على المبادرات الفردية فقدت قدرتها على الاستمرار والتطور، كما شاهدنا في هذه الانتفاضة الأخيرة، حيث كانت فردية أعمالها تجلياً لإملاءات الواقع وظروفه وأزمة التنظيمات المقاومة، لكن هذه الفردية عجزت عن الاستمرار الثابت أو التطور الصاعد.

وفي المقابل فلو تساءلنا عما قدّمه المستقلون في المشهد الفلسطيني؛ فلن نظفر بإنجازات لافتة على الصعيد الوطني أو السياسي أو النقابي، ليس لأن قطاع المستقلين عاجز في ذاته، بل لأن تعقيدات الحالة الفلسطينية أكبر من أن يتم اختزالها في سجالات الحزبي والمستقل تارة، والحزبي والمهني تارة أخرى.

وليس صحيحاً أن التنظيمات عاجزة عن تقديم كفاءات مهنية تخدم الحالة الانتخابية المطلوبة سواء أكانت تشريعية أم بلدية أم طلابية؛ فغالبية الأحزاب تزخر بعناصر تحمل تخصصات مختلفة ومتنوعة، وإن كان واقع بعض الفصائل الفلسطينية -خصوصاً في الضفة الغربية- يفرض عليها أن تغيّب لافتتها الحزبية وتقدّم أو تدعم قوائم انتخابية بدون مسمى أو لون واضح فهذا فقط إملاء الظرف والواقع، لكنه حتماً لن يغيّر من حقيقة أن التنافس الحزبي السليم مشروع ومطلوب في الممارسة السياسية، وأن من مقتضيات سلامته أن يصبح الجمهور هو الحكم على الأداء وأن صندوق الاقتراع هو الفيصل الذي يعاقب المقصّر ويكافئ الناجح، وهو ما سيحمل التنظيمات على تقديم أفضل ما لديها دائماً كضمان للبقاء والاستمرار.

المشهد الفلسطيني بالأساس لا يملك مقومات الممارسة السياسية السليمة؛ لاعتبارات كثيرة أهمها وجود الاحتلال وانتفاء السيادة وغياب القانون الذي يملك إلزام جميع الخصوم بنتيجة صندوق الاقتراع

غير أن المشهد الفلسطيني بالأساس لا يملك مقومات الممارسة السياسية السليمة؛ لاعتبارات كثيرة أهمها وجود الاحتلال وانتفاء السيادة، وغياب القانون الذي يملك إلزام جميع الخصوم بنتيجة صندوق الاقتراع، إضافة إلى طغيان نزعة الاستفراد والإقصاء لدى قيادة السلطة التي لا ترى غير نفسها في صدارة المشهد. 

وهنا تصبح كثير من السجالات حول تفصيلات القضية الانتخابية بلا معنى وتكتنفها شعارات حالمة، لأنها تتعامل مع التفاصيل وتتجاوز المحاور المفصلية لهذه المسألة وغيرها.

لمى خاطر

من نفس القسم دولي