دولي

فلسطين من القمة العربية إلى مذبح المبادرة الفرنسية

القلم الفلسطيني

 

انعقدت القمة العربية في موريتانيا مع تراكم أزمات المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، ولبنان، والعراق، ومصر، وليبيا، وتونس، واليمن، والسعودية، وإيران، وتركيا، وتصاعد موجات التطرف والثورات المضادة والانقلابات العسكرية، وتعقّد المشهد بتدخل العديد من الأطراف الدولية في شؤون المنطقة المتوجّسة من خطر التقسيم وإعادة رسم الحدود الوطنية.

 انعقدت القمة العربية وانفضّت على عَجَلٍ مع غياب نصف القادة العرب، واقتصارها على يوم واحد بدلاً من يومين، فجاءت القمة خبراً باهتاً تقدمت عليه أحداث أمنية صغيرة كحادثة "انسباخ" الألمانية أو "كاناجاوا" اليابانية التي راح ضحيتها 19 شخصاً وإصابة 25 آخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وإذا كان العرب اليوم أكثر انقساماً وتنازعاً فيما بينهم، فقد أصبح لزاماً أن تنفضّ القمة العربية دون ضجيج إعلامي أو سياسي.

لا غرابة في ذلك، فالمواطن العربي اعتاد على اعتيادية القمم العربية وقرراراتها ذات الطبيعة الاستهلاكية والعامة.

وإذا كان العرب اليوم أكثر انقساماً وتنازعاً فيما بينهم، فقد أصبح لزاماً أن تنفضّ القمة العربية دون ضجيج إعلامي أو سياسي.

المثير في هذه القمة، مستوى انحدار الموقف من القضية الفلسطينية مقارنة بالقمم السابقة؛ فمع تراجع القضية الفلسطينية في الأجندة الإقليمية والدولية، وازدياد موجات التطرف الصهيوني، والتمدد الاستيطاني، والتهويد لمدينة القدس والمسجد الأقصى، كان المتوقع ولو من حيث الشكل أن نشهد خطاباً عربياً محذراً، أو مستنكراً، أو داعماً لصمود الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ولو من باب ذر الرماد في العيون أو لرفع العتب على أقل تقدير. لكن الإشكال أن بيان القمة العربية ذهب باتجاه آخر عبر الترحيب بـ "المبادرة المصرية، والجهود الفرنسية الرامية لعقد مؤتمر دولي للسلام" في إطار تكريس الجهود من أجل حل القضية الفلسطينية.

وإذا كانت المبادرة المصرية مجرد دعوة وقَعَتْ على لسان الرئيس السيسي في إحدى خطاباته، دون أن تحمل أي معالم سياسية يُبنى عليها لحد الآن. فإن الخطورة تكمن في الترحيب بالمبادرة الفرنسية التي تحمل في طياتها تفريطاً واضحاً بحق عودة اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية، إضافة إلى العديد من النقاط الأخرى التي تشكل تصفية من العيار الثقيل.

وحسب المبادرة الفرنسية التي بدأت فكرة عام 2015، وتبلورت كدعوة فرنسية رسمية للأطراف المعنية في حزيران/يونيو 2016، فقد جاءت مضامين المبادرة الفرنسية للسلام على النحو التالي:

o إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 منزوعة السلاح، مع تبادل للأراضي باتفاق الطرفين.

o حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بالاستناد إلى "آلية التعويض".

o تطبيق مبدأ "حل الدولتين" لشعبين، يستجيب للاعتراف بالطابع اليهودي لدولة "إسرائيل".

o على الطرفين ووضع معايير تضمن أمن "إسرائيل" وفلسطين وتحافظ بشكل ناجح وفعال على الحدود، بوقف "الإرهاب" وتدفق الوسائل القتالية.

o الانسحاب الكامل للجيش "الإسرائيلي" يتم على مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.

o اعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً. 

o لا تزيد مدة المفاوضات عن 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين، وفي حال فشلت المفاوضات، فإن فرنسا ستعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية.

بناءً على ما ورد، فإن القمة العربية باركت عملياً توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والأجنبية وفقاً لـ "آلية التعويض" المذكورة في النقطة الثانية، وباركت ترحيل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني من فلسطين المحتلة عام 48 حفاظاً على يهودية الدولة العبرية وفقاً للنقطة الثالثة. وإذا كانت المبادرة الفرنسية إطاراً للتفاوض، فإن ذلك يعني أن العرب ورئاسة السلطة الفلسطينية لديهم الاستعداد لمزيد من التراجع أو خفض السقف عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

الموقف العربي يتراجع خطوة خطوة من القضية الفلسطينية رغبة في التخلص من عبئها السياسي، على قاعدة (ما حدا فاضي لحدا)

الموقف العربي يتراجع خطوة خطوة من القضية الفلسطينية رغبة في التخلص من عبئها السياسي، على قاعدة (ما حدا فاضي لحدا). لكنه في المقابل يتقدم خطوة خطوة باتجاه العلاقة مع الاحتلال "الإسرائيلي" على حساب القضية الفلسطينية، بذريعة حماية الدول العربية مما يسمى بـ "الخطر الإيراني". 

وهذا في تقديري خطأ استراتيجي، سيُفضي إلى الارتهان بالاحتلال الطامع بالمنطقة العربية ـ "إسرائيل" من النيل إلى الفرات ـ ، وسيُفضي لمزيد من الاتكال على واشنطن 

الحليف الاستراتيجي للكيان "الإسرائيلي" الذي بدوره سيَعْمد بالتنسيق مع الأمريكان إلى دفع العرب والإيرانيين إلى التصعيد والاستنزاف المتبادل، حماية لمصالح الحلف الصهيوأمريكي وهيمنته على المنطقة. ولعل الموقف "الإسرائيلي" ـ الأمريكي من الأزمة السورية، واليمنية خير شاهد على ذلك.

أحمد الحيلة

من نفس القسم دولي