دولي

كويتزي ورفاقه.. وفلسطين

القلم الفلسطيني

 

لا تحفلْ إسرائيل بنا، نحن العرب، حين نلعنها ونمسَح بها الأرض، ونسترسل في (فضح؟) جرائمها في ملتقياتنا، وفي فضائياتنا وصحافاتنا. لا تكترِث بمن يسمّيها منّا "دويلةً مسخاً"، ولا بمن يسترسل، منا، في كشف عنصريتها وفداحة انتهاكاتها. بصراحةٍ، لأننا في هذا كمن يتحدّث مع نفسه، وفي العتمة أحياناً. أما عندما يُشهر مثقفٌ ذو شهرة عالميةٍ، وصاحبُ مكانةٍ في ميدانه، ولصوته وزنٌ، ولآرائه قيمةٌ خاصة، موقفاً مضادّاً منها، ولو عن البديهيّ الذي نعلمه فيها، فإن إسرائيل ترتعش، وتقلق، فتُباشر لوبيّاتُها في غير مطرحٍ ردوداً، منفعلةً أحياناً. ومن أكثر ما يصيب نخب دولة الاحتلال وأصدقاءَها في العالم بالهياج والغضب أن تُشابَه ممارساتُها ضد الشعب الفلسطيني بسلوك النازي، وأن تُنعت بأنها دولةُ فصل عنصري. وليس منسياً فزع هؤلاء من دعوة الروائي البرتغالي، خوسيه ساراماغو (نوبل للآداب 1998) في العام 2002، إلى قرع الأجراس في العالم، للقول إن إسرائيل تقترف في فلسطين جرائم ضد الإنسانية، تُشابه جرائم النازية، ويجب أن تتوقف. كان ذلك، لمّا زار الأراضي المحتلة، في وفدٍ ضم كتاباً عالميين لامعين، بترتيبٍ من الشاعر محمود درويش، واستقبلهم في الأثناء ياسر عرفات، وكان منهم حائزان آخران لجائزة نوبل للآداب، الألماني غونتر غراس والنيجيري وول سوينكا. مناسبة التذكير، هنا، بالبديهية أعلاه، أن الجنوب إفريقي، جون. م. كويتزي، حائز "نوبل" للآداب في 2003، لبّى، الأسبوع الماضي، دعوةً لزيارة فلسطين، لكي "يرى ويُصغي ويتعلّم"، كما قال. وهناك، قال إن التمييز العنصري الذي كان في بلاده (هو الأبيض من أصل هولندي) مطابقٌ للذي تمارسه إسرائيل في فلسطين. ويشخّص نظام الفصل القسري الذي تقوم به في الضفة الغربية والقدس بأنه يقوم على الدين والإثنية، "أرسته مجموعة استئثارية ذاتية التعريف، تهدف إلى تعزيز غزو استعماري، خصوصاً من أجل توسيع سيطرتها على الأرض ومواردها الطبيعية" (كما ترجم ونقل صبحي حديدي في مقالةٍ بالخصوص). وإذ يقول، كويتزي، في رام الله، إنه يغادر فلسطين، بعد جولةٍ في بعض مدنها، وقد تعزّز انطباعه عن شجاعة الشعب الفلسطيني ومرونته، في هذا الزمن الصعب من تاريخه، فإنه يوضح، أيضاً، أنه يعود من فلسطين، وكان له ما أراد، فقد "رأى وسمع وتعلّم الكثير". يجوز أن يُحتسب جهر صاحب "في انتظار البرابرة" بقناعاته هذه، في فلسطين نفسها، نجاحاً "لاحتفالية فلسطين للأدب" في دورتها التاسعة، واستضيف فيها نحو ثلاثين كاتباً، أقاموا أمسيات في القدس وحيفا والخليل ورام الله ونابلس، غير أنه لم يُنتبه إلى إعلان كويتزي ما أعلنه في تظهير إسرائيل دولة احتلالٍ وتمييز عنصري وفصلٍ قسْري، كما كان يلزمه من اهتمام، في الإعلام الثقافي العربي، والفلسطيني في مقدمته. وقد دلّل الكاتب الشهير، مجدّداً، على أن لفلسطين، وأخلاقية قضيّتها، حصّة ثمينة بين نادي الحائزين على جائزة نوبل للآداب، الأمر الذي يحسُن الإفادة منه في معركة العدالة الإنسانية الكونية التي تقع فلسطين، وقضية شعبها، في صدارتها في العالم. ولا سيما أن من رفاق كويتزي من حاملي الجائزة الأشهر (للآداب) في العالم من كانوا شجعاناً في نعت ممارسات إسرائيلية بأنها مثيلةُ النازية. وكما ساراماغو، قال غابرييل ماركيز (نوبل 1982)، إن الحل الذي أراده هتلر للمشكلة اليهودية هو ما يستند إليه الإسرائيليون في سعيهم إلى إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. سئم غونتر غراس (نوبل 1999) نفاق الغرب لإسرائيل، وطالب سوينكا (نوبل 1985) مثقفي العالم بمقاطعة إسرائيل، لممارستها الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما قالته، أيضاً، الأميركية الإفريقية، توني موريسون (نوبل 1993). أما البريطاني هارولد بنتر (نوبل 2008)، فقد ردّ على دعوةٍ تلقاها للمشاركة في احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لإقامتها إنه لا يشرّفه ذلك بشأن دولةٍ قامت على القتل والإرهاب. .. شكراً، صاحب الضمير العالي في تعرية الاستعمار والعنصرية، كويتزي، كنتَ مع نفسك لمّا كنت مع فلسطين فيها.

معن البياري 

من نفس القسم دولي