دولي
القضية الفلسطينية في الضمير العالمي
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 01 جوان 2016
لم تعد "إسرائيل" تواجه المقاومة الفلسطينية فحسب، بل صارت تواجه في العمق والمصير القضية الفلسطينية في الضمير العالمي، على اعتبار أن الحرب كما العنصرية شكل مناف للتاريخ المعاصر وللوعي الراهن. ولا يمكن إطلاقاً ترك الأمور حابلها على غاربها، لأن الزمن الذي يحاول فيه الواقع أن يتفوق على نفسه يستطيع أن يوفر للضعفاء أيضاً إمكانيات للرد والانتقام، ما يفوق التصور والخيال، وبالتالي يحفّز جميع دول العالم التي تعي لحظة المجتمع الدولي إلى ضرورة التدخل لإسعاف وإنقاذ الوضع الفلسطيني، كأفضل سبيل لإعادة آخر حق ضائع إلى أهله، من براثن كيان صهيوني قام على الخطيئة الأصلية، التي قضت على الشعب الفلسطيني بالنزوح عن دياره بالقهر والتدمير، خاصة أن "إسرائيل" ليس لديها ما تخسره كثيراً، هي التي فشلت تاريخياً في إقامة دولة يهودية وعاشت على هوية «الأقلية الدائمة». كل العالم يشاهد ويعي ويحلل ويعلق على ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في العقدين الأخيرين، حيث انتقلت بؤرة الحدث إلى القضية الفلسطينية وعَبَّرَت بشكل مكثف عن مسألة الحق والعدالة في العلاقات الدولية الراهنة. فقد طال أمد حل القضية الفلسطينية، إلى درجة صارت تؤثر على المنطقة العربية والإسلامية كما الدولية، بفعل التداعي المتناسل للأحداث في سياق العولمة الكاسحة، وهذا ما أعطى للقضية الفلسطينية وضعها الدولي ومعها مسألة الحق والعدالة، وإمكانية استعادة المفهوم السليم إليهما بالانتصار على سياسة "إسرائيل"، الرامية منذ الأصل إلى طمس الحق ومحاولة إفساده في الوعي الإنساني. إن حق الشعب الفلسطيني في الأرض والاستقلال هو جزء من الوجود الإنساني نفسه، وحقيقة تعني العالم كله على أكثر من صعيد، نظرا لتكثف العلاقات البينية في الحياة الإنسانية الراهنة، ولكي نعرف ذلك علينا فقط أن نرفع من درجة اليقظة والفطنة والانتباه، لكي ندرك أسباب ردود الأفعال الانتقامية الموجعة الناجمة عن الأخطاء الأصلية وسوء تقدير في القرارات السياسية. كتب أرثير كوستلر في روايته الرائعة «ظلام في الظهيرة» معلقا على الحكم الاستبدادي والأوتوقراطي، الذي لا يقدر حقيقة عواقب قراراته السياسية… إن الأخطاء التي يرتكبها جيل لا تلبث أن تُبَاغت مضاعفَتُهَا جيلاً آخر في المنعرج الثاني أو الثالث من تاريخه المقبل، وعليه فإن ما يجري اليوم لـ"إسرائيل" والمطب الذي آلت إليه هو ثمن السياسات الرعناء التي ارتكبها جيل الصهاينة المحتلين وأولادهم من رموز السلطة العسكرية الوارثة لمنطق الاستعمار والاحتلال في العصر التكنولوجي الفائق. وخطابهم اليوم يعاني فقدان المعنى، وبالكاد يصل منطوقه إلى الأجيال الجديدة من اليهود الجدد المستأصلين عن الأرض التي لا تلبث أن تفصح عن نفسها باللسان العربي والتاريخ العربي، بعد زوال أقنعة الطمس والزيف والتدليس على حقائق الأشياء والتاريخ. وهكذا، تدخل "إسرائيل" في لولب تُمَيّع فيه تاريخها الخاص القائم على عقدة مناهضة السامية، والهولوكوست والغيتوهات، وكل الرصيد الذي اعتمد عليه اليهود لينزعوا شفاعة الغرب لهم، والتكفير عن ذنبه بالمساعدات والامتيازات التي حصلوا عليها بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك أرض فلسطين. فكل هذا الدمار الإسرائيلي يعمل على إخباء وهج الخطيئة الأصلية، لأن الكيان العبري يقوم باسم اليهود بما قام به هتلر نفسه ويفوقه، كما لم يعد كل العالم يتألم لتاريخ اليهود، بل نشهد في السنوات الأخيرة علامات جديدة لمناهضة اليهود بسبب السياسة الإسرائيلية، رغم كل الترسانة الإعلامية التي تريد أن تفصل حالة اليهود في العالم عن السياسة الإسرائيلية. ومن أبرز وجوه الزيف ومحاولات تكريس خطاب سياسي مخاتل لم يعد يتماشى مع منطق الحداثة، هو الإخفاق الذريع الذي مُنِيَ به مشروع الدولة اليهودية، أي دولة ثيوقراطية، وجدت نفسها بعد نصف قرن من الصراع مع العرب أنها دولة علمانية عنصرية قائمة على نواة القوة العسكرية بوجهين، وجه ديمقراطي حيال يهود الداخـــل، ووجه تسلطي قمعي حيال الفلسطينيين في الداخل وفي الأراضي المحتلة. كان قدر "إسرائيل" أن لا تحقق دولتها الدينية، لأن منطق العالم تغَيَّر وتحوَّل بالقدر الذي يأبى أي صورة من صور الحكم الثيوقراطي والأسطوري والتعلق الواهم بالتراث الديني، لتبرير حالات اجتماعية وسياسية وحضارية حديثة ومعاصرة. ولم يعد العالم يصدق فعلاً الإفك الإسرائيلي حول أرض الميعاد، كما اندثر الاعتقاد بوجود أرض حصـــرية ليهود العالم في الشتات، وتسلل هذا الاعتقاد نفسه إلى داخل "إسرائيل"، وقضى على فكرة التوسع برمتها، وألجمها عن ذلك بعض اتفاقيات السلام التي أبرمتها مع دول الجوار، وهي تستشعر الخطر الكبير إذا واصلت مشروع الاتفاقيات مع باقي الدول المجاورة لها، لأنه سيجعلها تعرف حدودها الحقيقية الآيلة مع الوقت إلى التلاشي في الجغرافية العربية والإسلامية.
د.نور الدين ثينيو