دولي

كل هذا الحماس من ليبرمان لدحلان

القلم الفلسطيني

 

يتّضح مما كشفه كل من معلق الشؤون العربية في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، تسفي يحزكيل، قبل أسبوعين، وكبير المحرّرين في موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست، الجمعة الماضية، أن أطرافاً إسرائيلية وعربية معنية بتصميم المستقبل الفلسطيني بما يتناسب مع مصالح حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، ويلبي طموحات رعاة الثورة المضادة في العالم العربي. فحسب يحزكيل، فإن وزير الحرب الصهيوني الجديد الفاشي، أفيغدور ليبرمان، معني بتهيئة الظروف لتولي محمد دحلان، القيادي السابق في حركة "فتح"، مقاليد الأمور في قيادة السلطة الفلسطينية. لم يفت يحزكيل أن يشير إلى ما يعرفه الجميع عن دور الملياردير اليهودي السويسري، مارتن شلاف، وهو صديق مشترك لكل من دحلان وليبرمان، في توطيد العلاقة بينهما. وقد سبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية أن ذكرت أن ليبرمان، لما كان وزيراً للخارجية، التقى في عام 2014 دحلان في جنيف، على الرغم من أن الأخير لا يحمل أية صفة رسمية، للتباحث حول دور مستقبلي له في إدارة الشأن الفلسطيني. وفي المقابل، يذكر ديفيد هيرست أن دولة الإمارات، بمساعدة مصر والأردن، تقود تحركاً عربياً، يرمي أيضاً إلى توفير الظروف أمام تمكين دحلان، وهو مستشار أمني لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، من خلافة عباس.  وبغض النظر عن مرامي التحرك الإماراتي المصري الأردني، من الواضح أن إسرائيل هي الطرف الرئيس الذي يفترض أن "يجني" العوائد الاستراتيجية من تولي دحلان مقاليد الأمور في السلطة الفلسطينية. ويرتبط حماس ليبرمان لتتويج دحلان رئيساً بتحقيق هدفين استراتيجيين، يتمسك بهما اليمين الصهيوني المتطرف، وخصوصاً ليبرمان الذي يكاد لا يفوّت فرصةً، من دون التأكيد على أن هدفه الرئيس إسقاط حكم حركة حماس في غزة، على اعتبار أن هذه الخطوة وحدها التي تؤدي إلى تغيير الواقع الأمني في جنوب الكيان الصهيوني بشكل جذري.  وعشية الانتخابات الأخيرة، التزم ليبرمان أمام ناخبيه بأنه سيصر على الحصول على منصب وزير الحرب، على اعتبار أن هذا المنصب يمنحه القدرة على تحقيق غرضه هذا. لكن ليبرمان يعي أن التخلص من حكم حركة حماس يمكن أن يفضي إلى أحد سيناريوهين، سيُفضي تحقق أي منهما إلى جباية أثمانٍ باهظةٍ من إسرائيل، من دون أن يحقق الأمن المنشود في الجنوب. ففي حال انسحبت إسرائيل من القطاع بعد إسقاط حكم حماس، ستعم الفوضى، وستعود الفصائل والمجموعات الفلسطينية المسلحة إلى استهداف إسرائيل، من دون أن يكون في القطاع عنوان سلطوي، يمكن لتل أبيب ممارسة الضغط عليه، كما تفعل حالياً.  في الوقت نفسه، فإن تأثير أية حملة عسكرية على قطاع غزة على الجهد الحربي لحركة حماس نفسها سيكون محدوداً؛ حيث ستكون الحركة قادرةً في زمن محدود على استعادة فاعليتها العسكرية، من دون أن تكون مطالبةً بتحمل أعباء سياسية عن أدائها. وفي حال اختارت إسرائيل البقاء في قطاع غزة، سيكون هذا السيناريو وصفةً لاستنزافها أمنياً واقتصادياً، وسيمس، إلى حد كبير، مكانتها الدولية، وسيضمن لها فقط العودة إلى نقطة البداية. من هنا، تقوم خطة ليبرمان على إنتاج بديل سلطوي فلسطيني، يكون قادراً على ملء الفراغ، في حال تم إسقاط حكم حماس في غزة، ويضمن، في الوقت نفسه، استمرار نمط البيئة الأمنية السائد حالياً في الضفة الغربية، والقائم على تعاونٍ أمنيٍّ مكثف مع جيش الاحتلال، لتأمين المشروع الاستيطاني والتهويدي، ويمنع تحول الضفة إلى ساحة انطلاقٍ لتنفيذ عمليات مقاومةٍ في عمق إسرائيل.. لكن ليبرمان يعي أنه، من دون تجنّد البيئة الإقليمية العربية، لا يمكن لإسرائيل وحدها أن تمهد الظروف أمام محمد دحلان لخلافة محمود عباس، بسبب الممانعة التي تظهرها قيادات فتحاوية كثيرة في الضفة وغزة.  ولكن، لن يضمن تخطيط ليبرمان والاستنفار الإماراتي المصري الأردني أي دور لدحلان في فلسطين المستقبل، فليبرمان يكاد يكون المسؤول الإسرائيلي الوحيد الذي يصدّق أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يسمح لدحلان بتبوء أي موقع قيادي في فلسطين مستقبلاً. فحسب التقديرات الاستراتيجية التي أصدرتها، أخيراً، هيئة أركان الجيش وأجهزة الاستخبارات ولواء الأبحاث العسكرية وديوان منسق الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن فرص وراثة شخصية "معتدلة" محمود عباس تؤول إلى الصفر، ليس فقط بفعل خيبة الأمل من عوائد المفاوضات مع إسرائيل، أيضاً بسبب تعاظم مستوى القناعة لدى الفلسطينيين بأن المقاومة هي الطريق الأمثل لاستعادة الحق الفلسطيني. ولا حاجة، هنا، لاقتباس جنرالاتٍ صهاينةٍ كثيرين عبّروا عن "تشاؤمهم" إزاء مستقبل العلاقة مع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، بعد ترجّل عباس. على شركاء ليبرمان الإقليميين أن يدركوا أن الظروف تغيّرت، وأن ما كان ممكناً عام 2003، عندما مهدت إدارة بوش وحكومة شارون وأطراف إقليمية الظروف ليكون محمود عباس تحديداً خليفة ياسر عرفات، بات مستحيلاً الآن. فقد مثلت انتفاضة القدس، على الرغم من تراجع وتيرتها مؤقتاً، حلول الربيع الفلسطيني الذي يؤذن بزلزلة قواعد البُنى الوظيفية والنخب الطفيلية الفلسطينية التي تستمد شرعيتها من خلال دورها في مساعدة الكيان الصهيوني على تأمين مشروعه الاستيطاني، ومحاولة تجفيف منابع المقاومة؛ وتركن إلى إسناد الثورات المضادة.

 

على هؤلاء أن يتفحصوا نتائج استطلاعات الرأي الفلسطينية التي تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنه لا مكان لهؤلاء في فلسطين مستقبلاً. 

صالح النعامي 

من نفس القسم دولي