دولي
هل غيّرت "انتفاضة القدس" أسلحتها؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 أفريل 2016
فاجأ انفجار عبوة ناسفة داخل حافلة الركاب الإسرائيلية العاملة على خط سير رقم 12 في شارع موشيه بارام غرب القدس المحتلة مخلفة واحداً وعشرين جريحاً، بعضهم في حالة خطيرة، وحريقاً ضخماً التهم حافلة أخرى قريبة، أجهزة الأمن والاستخبارات وقيادات المستوى السياسي الحاكم في دولة بني صهيون، والدليل حالة الإرباك في الروايات التي رافقت تفجير الحافلة، وتطاير التصريحات المتناقضة في تفسير ما جرى، ما بين عمل تفجيري، وتماس كهربائي في الحافلة. تفجير الحافلة الإسرائيلية بالقدس المحتلة، وقبلها بأيام فاجأت المقاومة الفلسطينية حافلة ركاب إسرائيلية بالقرب من قطاع غزة بصاروخ مضاد للدروع، أعاد لذاكرة أبناء صهيون العمليات الفدائية التي استهدفت الحافلات خلال انتفاضة الأقصى في العام 2000، وما قبلها، وبالتالي أثارت تساؤلات ممزوجة بالقلق والمخاوف من احتمالية أن تكون انتفاضة القدس الحالية والمستعرة من نحو نصف عام، قد حوّلت أدواتها من الطعن بالسكاكين والدهس بالسيارات، إلى تفجير حافلات الركاب، خاصة تلك التي تقل الجنود من وإلى ثكناتهم العسكرية. الدرس الفلسطيني المقاوم للاحتلال وبطشه، ابتكر ووضع لكل انتفاضة، ما يميّزها ويمنحها هويتها وطابعها المميز عن سابقاتها، ولكل منها سلاحها وأدواتها، ومفرداتها وأساليبها، وأهدافها وغاياتها، ورموزها وقادتها. فإن كان الحجر هو سلاح الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1978، وبذلك سميت (انتفاضة الحجارة)، واتسم قادتها ورموزها بجنرالات الحجارة، والانتفاضة الثانية، تميّزت بعملياتها الاستشهادية، والمتفجرات المتنقلة بين الحافلات ومحطاتها، وتجمعات الجنود والمقاهي، والسيارات الصغيرة والشاحنات الكبيرة، فإن الانتفاضة الحالية اتصفت بانتفاضة السكاكين، أو انتفاضة القدس كما يسميها البعض، وموجة الاحتجاجات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ بداية تشرين أوّل/ أكتوبر2015 وحتى الآن، تميّزت بقيام فلسطينيين بعمليات طعن متكررة لعسكريين ومستوطنين، رداً على استباحة الاحتلال لحرمات المسجد الأقصى المبارك، وعمليات الاعتقال الواسعة، والقمع الشديد المتواصل والتغوّل الاستيطاني والإعدامات الميدانية، وانسداد أفق التفاوض بسبب رفض الاحتلال في كلّ مرّة لاستحقاقات العملية التفاوضية. انتفاضة القدس الحالية، لا يستطيع أحد تغيير مسارها، أو القفز على أهدافها، وبالتالي السيطرة عليها، لأنها ليست صناعة تنظيمات وفصائل شاخ قادتها وملأ الخواء الفكري عقولهم، وباتوا يلهثون وراء المكاسب الشخصية والفئوية، بل إن إحدى سماتها حتى الآن أنها انتفاضة أفراد سلاحهم السكين والدهس. كما عكست هذه الانتفاضة المباركة إصرار الشعب الفلسطيني وتصميمه، على تحقيق أهدافه رغم الأثمان الباهظة، وباتت تبشّر بميلاد قيادات جديدة للمرحلة المقبلة، فهي كما يلاحظ من أحداث مساراتها اليومية في تصاعد وتأخذ شكل الموجات، ما تكاد واحدة منها أن تنحسر إلا وتبدأ الأخرى بالصعود. وهكذا فإن عملية تفجير الحافلة في القدس المحتلة، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من مراحل الانتفاضة، وتطور نوعي لأداء وقدرات المقاومة ورد طبيعي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وإعداماته اليومية بحق الشعب الفلسطيني. كما أن العملية الفدائية البطولية التي فاجأت الكيان الصهيوني، وكل أجهزته السياسية والعسكرية، واخترقت منظومته الأمنية والاستخبارية، دحضت ادعاءات الاحتلال بأنه نجح في إخماد الانتفاضة، وإعلانه مؤخرًا بأنه استطاع من خلال أساليبه وقبضته الأمنية الحد من العمليات الفلسطينية. على العالم، وكيان بني صهيون، أن يعوا الدرس جيداً، فالفلسطيني حرّ ولو كان سجينًاً، وثائراً ولو كان يافعاً، ومقاوماً ولو لم يكن يملك في يده غير حجر أو سكين وشبرية..
جواد محمود مصطفى