دولي
فلسفة القساميين وخارطة التحرير
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 أفريل 2016
ظلت "تل أبيب" تراقب بقلق وتوتر تسريبات كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس أشهرا عدة، وهي تسريبات تصل إلى الإعلام بدقة متناهية، وتستنزف أعصاب الموساد والشين بيت وصولا إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو يستنفر كل مؤسساته للبحث عن المفقودين، من جنود الجيش الإسرائيلي المحتل والمعتدي الدائم على شعب فلسطين.
وهذه ليست أول مرة يتبين فيها تفوق جهاز المخابرات الحربية، والمخابرات الأمنية لكتائب القسام، وحجم ما باتت تعانيه الآلة الأمنية الإسرائيلية والدولة الصهيونية ومجتمعها الحربي أمام مفاجآت القساميين، وهنا نحن أمام حالة مذهلة لتجربة بشرية تقدمها المقاومة الفلسطينية في منهجية القسام، وهي مؤهلة بجدارة لتدرّس بالفعل، كنموذج إبداعي لصناعة قوة المقاومة من خنادق المحنة والحصار للشعوب المضطهدة. وقبل استعراض هذه الفلسفة وبنودها السياسية والفكرية، نشير إلى أن هذا القطاع العسكري يخضع كليا لما يجب أن يخضع له، وهو القيادة السياسية الأبرز للشعب الفلسطيني ممثلة بقيادة المكتب السياسي لحركة حماس، وأن جزءا من قاعدة النجاح للكتائب يأتي من ذكاء القيادة السياسية الصلبة والمرنة في الوقت ذاته في غزة أو المهجر، في شخصيتي خالد مشعل وإسماعيل هنية وزملائهما. فبعد حروب نقض الربيع العربي كانت الضائقة كبيرة، وكان من المستحيل أن يتحقق ما تحقق لولا توفيق الله وحسن التوازن والقدرة على المرور عبر المضايق الضيقة والتوفيق الذي صاحب خطوات الحركة وقيادتها السياسية، رغم مسألة الموقف من إيران الذي يُطرح على حماس باستمرار. فمع وضوح خطابها ودعمها للثورة السورية منذ انطلاقتها، كانت تصريحاتها باتجاه إيران تأخذ في الاعتبار السياق الذي تتحرك فيه الحركة وما تتعرض له من حصار وتضييق، حيث تحتاج لاتخاذ بعض المواقف وإطلاق بعض التصريحات، لبقاء متنفس لها في جغرافية أوسع. وقد يُصاحب ذلك خطأ في التعبير ومبالغة، لكنه لا يتعدى استراتيجيا هذا الموقف الاضطراري الذي يتفق مع توازن حماس الدقيق وحماية مصالح شعبها، كما تُراعي حالة جمهورها الذي يتوسع ويزداد في شعوب الأمة الإسلامية، مع دقة تعاطيها الوطني وفرزها الأممي عن المحلي في الحراك والقرار، وإن تمسكت بعمقها الطبيعي العربي والإسلامي، كرابط مهم لا يمكن التخلي عنه في معركة الأمة التاريخية لتحرير الأقصى، قبلة المسلمين الأولى. ورغم كل ما تعرضت له حماس وغزة من حصار، وحملات شرسة إلا أن قيادتها السياسية سعت مؤخرا، وعبر تواصل مع الرياض لوضع الموقف المصري على الطاولة مباشرة، والطلب منه توجيه أدلة كل ما يردده عن حماس وعن شعب غزة المحاصر بالمعابر المغلقة، وبالتالي تُقدم حماس أجوبتها مباشرة عن هذه الحملة المستمرة ضدها، منذ إسقاط ثورة 25 يناير في مصر. ولا نعرف ما الذي وصلت إليه الوساطة السعودية في هذا الشأن تحديدا، لكننا نتحدث عن حراك خالد مشعل وشجاعته ومبادرته بطرق الأبواب لأجل سلامة الشعب ومقاومته أولا، وثانيا لكون حركة حماس وجهازها العسكري، كانت ولا تزال تلتزم بأقصى معايير الحذر، ورفض التورط في الشأن الداخلي للدول العربية، وما نرجوه أن تنجح الوساطة قريبا لأجل فتح معبر رفح بصورة دائمة، وخاصة أمام الحالات الإنسانية المضطرة يوميا للعبور عبر مصر. والجانب الثاني دعم مشروع تركيا لتحقيق معبر مائي دولي لقطاع غزة عبر اتفاق تلتزم به "تل أبيب" من خلال وسطاء أوربيين ومفاوضات تركية، وسيكون للدعم السعودي دور حيوي في ذلك، وهو أيضا يخلق أجواء إيجابية لمصر، تخرج فيه من قضية مواجهة ومناهضة الشعب الفلسطيني الذي أصبح مادة إعلامية مستمرة منذ 30 يونيو/حزيران 2013. أما كتائب القسام فقد تفرغت في داخل فلسطين المحتلة، وتوسعت في غزة كونها المساحة المتاحة منذ أن حررتها من الإسرائيليين، لتدشين مشروعها المتدحرج، ضمن توازنات الرعب التي خلقتها أمام "تل أبيب" في أوج محنة وحصار الشعب الفلسطيني، ويتضح لنا ذلك في العقيدة القتالية لكتائب القسام هي تحرير كامل التراب الفلسطيني، وعودة الوطن المحتل والمسجد الأقصى حرا عربيا إسلاميا، تُزال عنه آثار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي و الخريطة الاستراتيجية المرحلية للكتائب، تقوم على مفهوم دحرجة مشروع المقاومة وتقدمه، والمقصود أن تحقيق الهدف النهائي لا يُمكن من خلال مرحلة زمنية محددة، في ظل تراكم القرار الدولي والإقليمي والخذلان العربي، وفي ظل استهداف المقاومة الفلسطينية ذاتها في المشروع الدولي الإمبريالي، وحتى مشروع موسكو الجديد، وشريكه الإقليمي. ولذلك فإن ما يمكن أن تحققه الكتائب، هو الدحرجة الضاغطة على العدو لتقترب من أرضية أقوى للمقاومة، وتبعث باستمرار في صفوف الكيان المحتل، قصة غزوه لأرض ليست له، وأنه جماعة استوطنت بلدا هُجر شعبه واضطهد في دوره وبلداته الفلسطينية.
مهنا الحبيل