دولي
تجربة الإعلام الفلسطيني حسناتها ومثالبها
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 17 أفريل 2016
مَرَّ الإعلام في فلسطين قبل النكبة، وتحديدًا الصحافة المكتوبة في حينها والتي كانت هي الرائجة، بأربع مراحل تاريخية في نشوئها وتطورها. ابتدأت المرحلة الأولى منها بظهور الصحف باللغة العربية في القدس عام 1876، في عصر الوجود العثماني، وانتهت هذه المرحلة بإيقاف إصدار هذه الصحف في بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914. وكانت الصحف الأولى باللغة العربية رسمية، حيث عملت الحكومة العثمانية على إصدار صحيفتين رسميتين، هما "القدس الشريف" باللغتين العربية والتركية وصحيفة الغزال باللغة العربية فقط، وكان الشيخ علي الريماوي يترأس تحرير الصحيفتين العربيتين. أما المرحلة الثانية في تطور الصحافة الفلسطينية فامتدت من عام 1919 إلى العام 1948 وشهدت في هذه الفترة نهوضًا سريعًا ونموًّا كبيرًا رغم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة. ومما ساعد على ذلك تطبيق اللغة العربية في مدارس فلسطين وفقًا للدستور الذي صاغته ووضعته سلطات الانتداب الاستعمارية البريطانية. وبلغ عدد المطبوعات بحدود (241) جريدة ومجلة كانت تصدر في تلك الفترة في فلسطين، منها (41) صحيفة باللغة العربية، بينما كانت هناك خمس صحف تصدر بلغت أجنبية. وتنوعت الصحف في موادها بين السياسية والاقتصادية والأدبية والدينية بالإضافة إلى الصحف ذات المحتويات المختلطة، وهذه ظاهرة امتازت بها فلسطين عن باقي البلدان العربية المجاورة. ومع نكبة فلسطين توقفت جميع الصحف العربية والناطقة باللغة الإنجليزية في فلسطين، باستثناء صحيفة الاتحاد الحيفاوية التي بقيت مستمرة حتى الآن في صدروها، وذلك لأسباب مختلفة منها أنها كانت ناطقة بلسان حزب عربي استمر في تواجده بعد النكبة داخل مناطق العام 1948.
أما المرحلة الثالثة في تطور الصحافة الفلسطينية، فقد امتدت في الفترة ما بين عام 1949 والعام 1967، وفيها تراجعت الصحافة الفلسطينية بفعل النكبة، ونتيجة لذلك امتزجت تلك التجربة الإعلامية مع مرور الزمن بالتداعيات اللاحقة التي تأتت بعيد نكبة فلسطين، وتحطم آخر الامتثالات الكيانية الوطنية للشعب الفلسطيني، فاندمج العشرات إن لم نقل المئات من مبدعي فلسطين وكتابها وصحفييها في الإعلام العربي، خصوصًا في لبنان، حيث برزت أسماء لامعة في سماء الإعلام العربي كان روادها من الإعلاميين ومن كافة الاختصاصات من أبناء فلسطين، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر العشرات من ساهموا ببناء العمل الإعلامي في لبنان والأردن وسوريا إلى حد كبير.
وفي المرحلة الرابعة التي تلت عدوان حزيران/يونيو 1967، فإن تحوّلات نوعية طرأت على الإعلام الفلسطيني، في ظل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وانطلاقة المقاومة الفلسطينية وفصائلها المقاتلة أولًا، وفي تطور وسائل وتقنيات الاتصال ثانيًا، وتزايد الحاجة وملحاحية العمل الإعلامي ليتكاتف مع العمل الفدائي ومع العمل السياسي ثالثًا.
وقد تم خلال المرحلة إياها إنشاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، وهي المؤسسة الوحيدة التي حافظت على وجودها حتى اللحظة بالرغم من الشح والجفاف المالي الذي تعرضت له خلال العقود الثلاثة الأخيرة (وبالمناسبة فإن مؤسسة الدراسات لا تتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا لأيٍّ من فصائلها). واستطاعت مؤسسة الدراسات أن تصدر مئات الكتب والكراريس والدراسات التي تناولت القضية الفلسطينية، وفي تأريخ وتدوين مراحل النضال الفلسطيني. وتضم مكتبتها الرئيسية وأرشيفها المركزي آلاف الوثائق الفلسطينية الهامة التي تعود لفترات ما قبل النكبة.
كما تم في الفترة ذاتها إنشاء مركزي الأبحاث والتخطيط التابعين لمنظمة التحرير، وصدر عنهما أيضًا، مئات المطبوعات والوثاق الهامة، وبعض الدوريات والشهريات، ومنها على وجه التحديد شهرية (شؤون فلسطينية).
وبالطبع، فإن تطور العمل الإعلامي الفلسطيني إلى جانب نهوض المقاومة، دفع بدولة الاحتلال الصهيوني لاستهداف رموز الإعلام الفلسطيني والمثقفين، بسبب دورهم الإعلامي المميز، ولهذا استهدفتهم؛ فاغتالت الشهيد غسان كنفاني باعتباره من رواد بناء العمل الإعلامي الفلسطيني، كما استهدفت الشاعر والمثقف كمال ناصر، ووائل زعيتر، ومحمود الهمشري، علي فودة، أنيس صايغ، نِعَم فارس، هاني جوهرية …. وغيرهم، كما استهدفت مركز الأبحاث بوضع المتفجرات والسيارات المفخخة في مكان قريب منه.. وربما حاولت اغتيال آخرين، وشاركت في اغتيال فنان الكاريكاتير الفذ ناجي العلي، ورئيس مركز الأبحاث صبري جريس… وغيرهم.
على بدوان