دولي

عجلة المبادرة الفرنسية تدور

القلم الفلسطيني

 

 

تتسارع الحركة الدبلوماسية لوضع "المبادرة الفرنسية" موضع التنفيذ، وتتسع دائرة التأييد الدولي لها، ويبدو أن الدبلوماسية الفرنسية قد نجحت في وضع عجلاتها على السكة، بغض النظر عن معارضة حكومة الاحتلال الإسرائيلي المعلنة لها. وبالرغم من المعارضة الوطنية الفلسطينية الواسعة للمبادرة، تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية، ويبدو حشد التأييد الدولي لها هو الشغل الشاغل لقيادتها ودبلوماسيتها، فـ"المبادرة الفرنسية" قد تحولت إلى المسوغ الرئيس لاستمرار الرئاسة الفلسطينية في استراتيجيتها التفاوضية. وتبدو المبادرة كذلك دليلا تشهره رئاسة منظمة التحرير في وجه معارضيها على نجاحها في تدويل الرعاية الدولية للمفاوضات مع دولة الاحتلال بعد نفض يدها من الرعاية الأميركية المنفردة لها. ومن الواضح أن رهان قيادة منظمة التحرير على المبادرة الفرنسية يؤخر استجابتها لاستحقاقات وطنية مثل التوافق الوطني على استراتيجية بديلة كمدخل لشراكة وطنية تؤسس لوحدة وطنية تنهي الانقسام الجغرافي والسياسي الراهن. ومن الواضح كذلك أن المبادرة الفرنسية قد تحولت إلى سبب جديد لاستفحال الانقسام الوطني الفلسطيني؛ فبينما أعلنت فصائل المقاومة معارضتها للمبادرة، وأولها حركتا "حماس" و"الجهاد" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأعلن العديد من الفصائل الأعضاء في منظمة التحرير تحفظات جادة عليها، أشادت اللجنة المركزية لحركة "فتح" التي يقودها الرئيس محمود عباس في اجتماعها أواخر الشهر المنصرم بالمبادرة الفرنسية وأكدت إصرار الحركة و"القيادة الفلسطينية" على عقد المؤتمر الدولي الذي تدعو المبادرة إليه. يوم الأربعاء الماضي، وخلال لقائه مع الرئيس عباس في رام الله، أكد المبعوث الياباني إلى الشرق الأوسط، ماساهيرو شونو، تأييد بلاده للمبادرة الفرنسية. وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل قد أعلنوا يوم الاثنين الماضي تأييدهم للمبادرة والمؤتمر. وكان مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية في الحادي عشر من الشهر الجاري قد رحب بالمبادرة الفرنسية، وقد حرص وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت على أن يكون في القاهرة أثناء انعقاد الدورة الـ145 لمجلس الجامعة ليحصل على شرعية عربية للمبادرة، وقد نالها، بعد أن ناقش مبادرة بلاده في اجتماع مع نظرائه العرب الأعضاء في لجنة متابعة مبادرة السلام العربية (مصر والأردن والمغرب وفلسطين إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية). وكان ايرولت في اليوم السابق قد أعلن من العاصمة المصرية ثلاث مراحل للمبادرة: أولها خلق مجموعة دولية– عربية لدعم المبادرة ومتابعتها، وثانيها عقد مؤتمر سلام دولي بحضور كل الأطراف المعنية قبل نهاية الصيف الجاري، وثالثها الذهاب إلى مجلس أمن الأمم المتحدة بمشروع قرار يتضمن النتائج التي يتم التوصل إليها في المؤتمر الدولي. والجدول الزمني لهذه المراحل بات منظورا، فخلال نيسان/ أبريل المقبل من المنتظر أن تجتمع مجموعة دعم دولية– عربية للمبادرة تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) و"رباعية عربية" تضم العربية السعودية ومصر والأردن والمغرب، وسوف تضع هذه المجموعة جدول أعمال للمؤتمر الدولي المتوقع انعقاده في حزيران/ يونيو أو تموز/ يوليو المقبلين في العاصمة الفرنسية. 

وعلى ذمة "ذى تايمز أوف اسرائيل" في منتصف الشهر الجاري؛ فلن يحضر هذا الاجتماع مسؤولون من دولة الاحتلال أو من منظمة التحرير، وسوف يعرض مشروع قرار يتضمن ما يتفق عليه المؤتمر الدولي في مجلس الأمن الدولي قبل نهاية العام الحالي. ومعارضة دولة الاحتلال ليست العقبة الوحيدة أمام نجاح المبادرة التي تعدها "مقاربة خاطئة" للموافقة مسبقا على نتائج لا تتمخض عن مفاوضات، لتعطي بذلك لمفاوض منظمة التحرير عذرا لعدم التفاوض المباشر مع دولة الاحتلال، مع أن بنود المبادرة التي تسربت إلى الإعلام تنص على إجراء مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية مباشرة في إطار المؤتمر الدولي. فالولايات المتحدة التي سبق لها أن عارضت مشروع قرار فرنسي في مجلس الأمن الدولي لم تختلف بنوده عن مضمون المبادرة الفرنسية الحالية تمثل عقبة أخرى؛ فهي لم تعلن تأييدها الصريح للمبادرة، لكنها لم تعلن رفضها لها كذلك، غير أنها في كلا الحالين لن تكون مهيأة لدعم المبادرة عشية سنة انتخابية لإدارة جديدة، بالرغم من أنها تركت خياراتها مفتوحة. فعندما سئل وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهو في باريس في الثالث عشر من الشهر الجاري عما إذا كانت بلاده مستعدة للتعاون مع المبادرة الفرنسية، قال: إن "الولايات المتحدة تظل ملتزمة التزاما عميقا بحل الدولتين، فهذا الحل أساسي بصورة قطعية.. ولا يوجد أي بلد أو أي شخص يمكنه منفردا أن يجد حلا لذلك، فهذا سوف يحتاج إلى المجتمع العالمي، وسوف يتطلب دعما دوليا". ومصير المبادرة الفرنسية في أحسن الأحوال هو أن تتحول إلى قرار يصدره مجلس الأمن الدولي من دون أي آلية دولية لتنفيذه على الأرض، ليضاف إلى عشرات قرارات الأمم المتحدة المؤيدة للحق العربي في فلسطين والتي ما زالت تنتظر إرادة وطنية فلسطينية وأخرى قومية عربية وثالثة إسلامية لتطبيقها طالما "المجتمع الدولي" عاجز أو غير راغب في تطبيق الشرعية الأممية التي تمثلها تلك القرارات.

نقولا ناصر

من نفس القسم دولي