دولي

الهجمة المسعورة على البلدة القديمة

القلم الفلسطيني



يستهدف الاحتلال الإسرائيلي القدس ويهوِّد كل معالمها وطابعها الحضاري والتراثي والتاريخي والديني الروحاني العربي الإسلامي، والاستهداف هنا ليس فقط للحجر والمكان، بل الإنسان مستهدف قبل المكان، فالاحتلال يمارس بحق سكان القدس عامة وتجار البلدة القديمة خاصة، كل أشكال العقوبات والإجراءات والممارسات القمعية والإذلالية لحملهم على ترك البلدة القديمة.
هذا الاحتلال الذي يعيش أوهام أن القدس "العاصمة" الأبدية لدولته، وهي محج كل يهود العالم وقلب "إسرائيل"، ويستخدم ويوظف كل الأساطير التوراتية والتلمودية خدمة لهذا الهدف، ولذلك نشطت الجمعيات الاستيطانية من "إلعاد" و"عطيرت كوهنيم" وغيرها من الجمعيات الاستيطانية وبدعم وتشجيع من قمة الهرم السياسي من أجل السيطرة على أكبر عدد من البيوت والعقارات في البلدة القديمة ومحيطها، وضخ المليارات من قبل تلك الجمعيات الاستيطانية ومن مستثمرين ورأسماليين صهاينة في الخارج لهذا الغرض. وقد نجحت تلك الجمعيات بشكل محدود في أن تضع يدها على العديد من العقارات في البلدة القديمة، من خلال عدد من عديمي القيم والأخلاق والانتماء والحس الوطني، ممن ارتضوا بيع أنفسهم بثمن بخس، وكذلك استخدمت دولة الاحتلال بأجهزتها وأذرعها المختلفة بالتعاون مع تلك الجمعيات الاستيطانية، طرقاً ملتوية وتزويراً للوثائق والمستندات واستخدام قانون ما يسمى بحارس أملاك الغائبين من أجل السيطرة على عدد من العقارات وبيوت ومحلات تجارية في البلدة القديمة من القدس.
الهجمة المسعورة على البلدة القديمة، تصاعدت مع وجود هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، والهدف واضح، تطهير عرقي وتغيير في الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين، أي تقليل نسبة السكان الفلسطينيين في المدينة وفق مخطط 2020 الهيكلي من 38% الآن إلى 12% عام 2020، والهجمة زادت سعاراً بعد بداية هذه الهبة الجماهيرية، وللإنصاف من بعد عملية خطف وتعذيب وحرق الشهيد الفتى محمد أبو خضير حياً في 2/7/2014.

شكلت عملية الشهيد مهند الحلبي في البلدة القديمة في 3/10/2015، علامة فارقة في الوضع المقدسي، ووضع البلدة القديمة على وجه التحديد، الاحتلال قام بحملة مسعورة ضد البلدة القديمة، وتحديداً ضد المحلات الواقعة في منطقة شارع الواد، مكان تنفيذ العملية؛ حيث أغلق عدداً من المحلات التجارية، ووضع حواجز عسكرية ثابتة تعيق وصول الناس والمتسوقين والمتجولين وحتى المصلين في الأقصى إلى تلك المنطقة والمحلات التجارية، وشلت الحركة التجارية بشكل شبه شامل، وفرضت غرامات ومخالفات على تجار المنطقة بآلاف الشواقل، والوجود العسكري والشرطي والأمني والتفتيشات المذلة للشبان والفتيات خلقت حالة من الخوف والرعب، ناهيك عن فرض القيود على حرية الحركة والتنقل. وما تعرض له شارع الواد تعرضت له بقية شوارع وأسواق البلدة القديمة ومحيطها، حيث ضرائب المسقفات "الأرنونا" والتي تفوق دخل التاجر صاحب المحل، وضريبة الدخل والتأمين الوطني، وكذلك فواتير الكهرباء والماء ومصاريف الحياة الباهظة وزاد الطين بلة، قيام الاحتلال بوضع حواجز دائمة على مداخل البلدة القديمة خاصة بوابة دمشق الشهيرة، حيث نصب عشرات الكاميرات وأجهزة الاتصال والمراقبة الأمنية والتجسس فيها، وبما يجعل المواطن القادم للبلدة القديمة من ضواحي القدس أو من الداخل الفلسطيني - 48 - ،والضفة الغربية من حملة التصاريح، يفكر ويتردد كثيراً قبل الدخول للبلدة القديمة من أجل التبضع والتسوق أو التجول فيها أو زيارة الأماكن المقدسة والتاريخية والتراثية فيها. هذه الأوضاع لعبت دوراً كبيراً في شل الحركة التجارية في القدس، وبات عند قطاع لا بأس به من التجار وخصوصاً العاملين في السياحة والتحف، تكاليف ومصاريف إغلاق المحلات التجارية أقل كلفة من مصاريف فتحها، ولذلك اضطروا إلى إغلاق محلاتهم التجارية لتراكم الديون عليهم، والبعض منهم لم يعد قادرا على تأمين قوته اليومي، ولتصل نسبة التجار الذين أغلقوا محلاتهم التجارية لا تقل عن (35)%. والمأساة هنا لا تتوقف عند إغلاق المحل التجاري، بل جزء من هؤلاء التجار يضطر إلى نقل تجارته ومركز حياته إلى خارج حدود ما يسمى ببلدية "القدس"، وهذا يسهم في تحقيق هدف الاحتلال في تفريغ المدينة والبلدة القديمة من سكانها وتجارها، وبما يحقق سياسة التطهير العرقي لأهدافها.
راسم عبيدات

من نفس القسم دولي