دولي

الكيان.. "الغيتو" خلف جدران

القلم الفلسطيني



وصف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، في تصريحات لافتة، "إسرائيل" بأنها "فيلا يجب حمايتها من الحيوانات المفترسة ببناء مزيد من الجدران". وقال نتنياهو في جولة ميدانية على الحدود مع الأردن، مع قيادته العسكرية، إن حكومته تعمل على خطة طويلة الأمد، لإحاطة "إسرائيل" بالجدران من جميع الجهات، بهدف حمايتها من التهديدات المحدقة بها. وتساءل متابعون عن المصطلح الذي استعمله نتنياهو، "حيوانات مفترسة"، إن كان يقصد بحديثه "عناصر داعش"، مع العلم أن مسؤولين أمنيين عبروا من قبل عن مخاوف من إمكانية دخول عناصر "داعش" إلى الأردن، ومن ثم إلى الكيان، عبر الحدود الشرقية.. أم يقصد العرب جميعاً؟ نتنياهو لم يقلها صراحة ولم يصف العرب بأنهم "حيوانات مفترسة"، لكنه ألمح إلى ذلك من خلال الإشارة إلى جيران "إسرائيل" والبيئة المحيطة بها. وكشفت ردود أفعال "الإسرائيليين" الذين علقوا على الخبر، الذي أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن المعني بالتعبير الذي يقصده نتنياهو؟: يقول أحد المعلقين على الخبر موجهًا حديثه لنتنياهو: الحيوانات المفترسة الحقيقية، هم رجال المال الرأسماليون، الذين يفترسوننا اقتصاديًا في أسعار الطاقة والسلع الاستهلاكية، ويخوفوننا من العرب حتى لا نفكر في الوضع الاقتصادي. وقال آخر: "نتنياهو يقول عن كل جيراننا إنهم حيوانات؟ ماذا يعني ذلك؟ هم يريدون أن يكونوا أصدقاء له؟ نتنياهو يريد إدخال الشعب الإسرائيلي في غيتو". من ناحيته قال شاي هون في "معاريف": "نعم الحيوانات المفترسة أفضل وصف يمكن إطلاقه على الفلسطينيين". علق أحد القراء في "هآرتس" مخاطباً العنصري القبيح نتنياهو: "أنت لا تختلف عن العرب الجهلاء، فهم يقولون عنا إننا أبناء القردة والخنازير". وكانت حكومة نتنياهو قد صادقت على بناء الجدار على امتداد الحدود مع الأردن منتصف العام الماضي 2015. وأكد ديوان نتنياهو: أن الجدار سيقام على الأراضي "الإسرائيلية" لكيلا ينتهك السيادة الأردنية. وجاء فيه أيضاً: أن أهمية الجدار أصبحت ملحة في أعقاب قرار الحكومة ببناء مطار دولي جديد في المكان. ورغم إعجاب نتنياهو بفكرة إحاطة الكيان بجدران كاستراتيجية أمنية، إلا أنه لم يكن الأول المبادر لها. فقد تداولت الحكومات الصهيونية المتتالية منذ تسعينات القرن الماضي، فكرة بناء جدار فاصل بين «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية، لصد العمليات الاستشهادية التي كان الفلسطينيون يشنونها في قلب مدن الكيان. وواجهت هذه الفكرة انتقادات واسعة من اليمين الصهيوني المتطرف والأكثر تطرفاً، وممن يسمى ظلماً ب«اليسار»: بأن الجدران ستقسم، عملياً، «أرض «إسرائيل»». الكاتب الصحفي الأمريكي، إريك لارسون، استعمل هذا المصطلح في كتابه «الدبلوماسية..الحب والرعب في عاصمة الرايخ الثالث»، لكن الأصول الأولية له تعود إلى التناخ «العهد القديم»، ويستعمله «الإسرائيليون»، اليوم في الإشارة إلى إمكانية عدم إقامة السلام مع العرب. يقتبس آفي شلايم، أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة أكسفورد وأحد أهم رموز مدرسة المؤرخين «الإسرائيليين الجدد» عنوان كتابه عن نظرية «الجدار الحديدي» لزئيف جابوتنسكي أحد الصهاينة الأوائل في هذا القرن. فقد كان جابوتنسكي أول زعيم صهيوني مهم يقر بأنه لا يتوقع من الفلسطينيين، التخلي طوعاً عن حقهم القومي في تقرير المصير. لهذا كان يرى أنه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم، ولا مفر (من وجهة نظره) من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد، وبالقوة. وانطلقت رؤية جابوتنسكي لهذه القضية من ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه. جاء تاريخ دولة الكيان تأكيداً لاستراتيجية الجدار الحديدي لجابوتنسكي. العيش في «الغيتو» هو سمة قديمة لليهود. حتى في العصور السابقة بما فيها الأندلسي قبل ستة قرون، عاش اليهود في «الغيتوات» الخاصة بهم، غير أنهم يحاولون إلصاقها بالعرب، من خلال الادعاء بأن الآخرين هم من عزلوهم في الغيتو. وحول أصل الجدار، تتناقض المعلومات التي وردت عنه، حتى في طبعات الموسوعة البريطانية «بريتانيكا» حول بداية وجود الغيتو اليهودي، ففي الوقت الذي حددت فيه طبعة الموسوعة (1956) أول وجود رسمي للغيتو أو منطقة عزل اليهود بالقوة، كان في فينيسيا من إيطاليا سنة 1556، لكن ظهر في طبعة (2001) من الموسوعة: أن أول وجود له كان بالمغرب الإسلامي سنة 1280م. وبعد البحث وُجد أن الموسوعة استدركت بعد طبعة 1956 بما ورد في الموسوعة اليهودية، التي تناقضت هي الأخرى في معلوماتها، بين عدم وجود غيتو إجباري في البلاد الإسلامية ووجودها لدوافع دينية. كبيرة محرري الموسوعة «آنتي وولف» وعندما تم لفت نظرها من جهة عربية لوجود التناقض، أجابت في رسالة: بأن ما ورد في طبعة 1997، حول وجود الغيتو الأول في المغرب الإسلامي مع إضافة «استمرت الغيتو في بعض البلدان الإسلامية مثل اليمن حتى الهجرة الكبرى إلى «إسرائيل» 1948».  جملة القول: إن نتنياهو عنى العرب بجملته العنصرية، فمن قبله وصف الحاخامات اليهود العرب «بالصراصير والثعابين»، نتنياهو يستغل الوضع العربي والإقليمي المتردي، وهو المعروف عنه، بأنه من أفضل من يستغل الظروف ويوظفها لصالح سياسته العدوانية العنصرية المستعلية. أيضاً فإن التعبير منتشر في أدبيات صهاينة الكيان ومناهجه التدريسية، وفي كتبه الدينية، فهناك الكثير من العبارات الشبيهة التي تصف الأغيار والعرب بأقذع الأوصاف، نقول لنتنياهو: أنتم من اخترتم العيش خلف الأسوار لشعوركم بأنكم لستم من بني البشر.
د. فايز رشيد

من نفس القسم دولي