دولي

دمرها الإسرائيليون 93 مرة: العراقيب تنهض وتتجدد على الدوام

القلم الفلسطيني






لم يكد أهالي قرية العراقيب النقبية الفلسطينية يجمعون حطام ونثار بيوتهم وحظائر مواشيهم، بعد أن هدمتها السلطات الإسرائيلية للمرة 92 في أواخر ديسمبر 2015، حتى فوجئوا مرة أخرى باندفاعة جديدة لقوات الاحتلال وجرافاتها للمرة 93 في التاسع عشر من يناير 2016، لاستكمال الهدم والتخريب ومحاولة طرد السكان. فما مشكلة قرية العراقيب هذه؟
منذ سنوات اعتادت الجرافات وقوى الأمن الإسرائيلية المدججة بأسلحتها وعتادها، التوجه إلى مساحة محددة في النقب الفلسطيني المحتل، صحيح أن مساحة المكان محدودة، كذلك هو عدد السكان، مع ذلك فإن رمزية الواقعة كانت تعلن عن نفسها بوضوح: جرافات وقوى أمن تريد الهدم والجرف والدمار والطرد لتكوين إنساني، وحتى حيواني، يقاوم بما يستطيع وما يملك من وسائل المقاومة، إنهما إرادتان تتواجهان في عمق الصحراء، الأولى تُعلي من سياسة الدمار، والثانية تُعلي من إرادة الحياة. ذلك ما تم وما تكرر من قبل على أرض قرية العراقيب النقبية الفلسطينية. كان الدمار الأخير يحمل الرقم 92 من عدد مرات الهدم، التي واجهها السكان وماشية ومزروعات وبيوت هذه القرية في صحراء النقب منذ تسعينيات القرن الماضي، فما حكاية هذه القرية (العراقيب) مع سلطات الاحتلال، ولماذا يتم الهدم ثم إعادة البناء من جديد؟ يعتقد أن العراقيب هي إحدى قبائل منطقة النقب، كما يعتقد أن القرية هي إحدى المواقع التي كان يعيش فيها ولم يزل أفراد من القبيلة، وهي تقع على بعد 8 كيلومترات من شمال مدينة بئر السبع، وقد بدأت مشكلة أو مأساة هذه القرية، كغيرها من القرى الفلسطينية، التي تم احتلالها وتدميرها من قبل القوات الصهيونية، في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. توزع السكان بعد ذلك في مناطق أخرى كانوا يعتقدون إنها من أراضيهم في النقب، إلا أن مطاردات قوات الاحتلال، والادعاء بأن هذه الأراضي هي من أملاك الدولة، في حين يؤكد الأهالي أنها من أراضيهم وأملاكهم التي ورثوها أبا عن جد، منذ أيام العثمانيين مرورا بأيام الاستعمار البريطاني، وصولا إلى من جاء ينعتهم بالغزاة لأراضيهم. ونقطة الضعف التي لا تخدم المواطنين الفلسطينيين في النقب أن بعضهم لم يسجل ملكية أراضيه في الدوائر الرسمية، نتيجة لاعتبارات عديدة ومعقدة، وأنها أي الأراضي، بحسب الأعراف القبلية، هي من الأملاك الخاصة لهذه المجموعة من أفراد القبائل العديدة. من هذه الثغرة أعلن ويعلن المحتل الإسرائيلي أن الفلسطيني في النقب أو في غير النقب، الذي لم يقدم أوراق (طابو) أرضه هو من الغزاة، أو ممن يحتل أراضي الدولة! في سبعينيات القرن الماضي، وبعد مطاردات عديدة وأحيانا دامية، لتجميع بعض أفراد من قبائل عرب النقب، وكي تمنع السلطات الإسرائيلية انتشار القبائل في المساحات الواسعة لرعي قطعانها من الماشية، فإنها قررت إنشاء سبع مناطق لتجميع بعض السكان الفلسطينيين، وأقامت بعض الخدمات المحدودة، في حين أن القرى البدوية الأخرى (نحو 45 قرية لم يتم الاعتراف بها رسميا)، لم تبن فيها خدمات البنية التحتية من شبكات مياه وكهرباء وطرق وصرف صحي ومدارس ومستوصفات وغير ذلك، وبقي عشرات الآلاف من السكان محرومون من تلك الخدمات، علما بأن السلطات الإسرائيلية أخذت بفرض التجنيد الإجباري على شبان المناطق البدوية، على الرغم من التمييز العنصري الذي عاشه أولئك الشبان أثناء خدمتهم وبعد ذلك. نعود إلى بؤرة الحدث هذه المرة، اي إلى أهالي قرية العراقيب، حيث أنهم تجمعوا بعد أن كانوا مشتتين في مناطق النقب، وقرروا العودة إلى قريتهم الأصلية التي تم نسفها وتدميرها أوائل خمسينيات القرن الماضي، في محاولة منهم لتعمير وبناء ما أمكن، واستعمال مواد أولية مثل، الزينكو والخشب وحتى إطارات السيارات، لإقامة مساكن أولية بدائية لإيواء البشر والمواشي.
وهذا المخطط يلقى معارضة من قبل طرفين متناقضين، الأول لا يريد تقديم المزيد من الأراضي للعرب، ويتمثل هذا الجانب في المستوطنين، في حين أن المواطنين الفلسطينيين يرفضون هذه السياسة، كونها تصادر المزيد من أراضيهم وتمنع عنهم الرزق من خلال مصادرة الأراضي التي ترعى فيها قطعان مواشيهم.  وقد ذكر حسين رفايعة رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب «أن وزارة الداخلية الإسرائيلية تقدر عدد البيوت المرشحة للهدم، بنحو 42 ألف بيت في الوسط العربي في النقب وحده، بحجة عدم الترخيص، علما بأن هذه البيوت تأوي نحو 850 ألف نسمة من العرب». وهؤلاء يحملون جنسية «الدولة»، أي أنهم من «مواطنيها».
ولئن كانت قرية العراقيب تتعرض إلى مآسي الهدم والجرف بين الحين والآخر، ويعاني سكانها وحتى مواشيها من التشريد ومعايشة الحر والقر الشديدين، فإن إرادة الحياة تعيد بناء ما يتم تدميره، فهل تتكرر المآسي في قرى وتجمعات نقبية أخرى؟
سليمان الشّيخ

من نفس القسم دولي