دولي
تهجير الفلسطينيين من لبنان سياسة ممنهجة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 جانفي 2016
عادت الأزمة إلى الظهور مجدداً مع تقليص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لخدماتها الصحية في لبنان، حيث تشهد الساحة اللبنانية العديد من الاعتصامات والفعاليات المتواصلة لمؤسسات المجتمع المدني المعنية بشؤون اللاجئين، إضافة إلى اللقاءات الرسمية بين الفصائل الفلسطينية والمدير العام لوكالة "الأونروا" لحثه على التراجع عن قرار تقليص الخدمات الصحية بذريعة عدم توفر الموازنات المطلوبة. إشكالية تراجع الموازنات لدى "الأونروا"، اتخذت إيقاعاً موسمياً متكرراً؛ فمع بدء العام الدراسي 2015ـ2016، بذريعة عدم توفر الموازنات في حينه، كادت أن تقفل جميع مدراس الأونروا التي تضم نحو 480 ألف طالب في كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة، وسورية، والأردن بالإضافة إلى لبنان التي يتعلم فيها نحو 32 ألف طالب فلسطيني لاجئ موزعين على 68 مدرسة تابعة لوكالة "الأونروا". يلاحظ أن تراجع خدمات "الأونروا"، بذريعة تقليص أو عدم توفر الموازنات المطلوبة، بدأ يتفاقم ويتسارع في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع الاقتتال الدائر في كل من سوريا، والعراق، واليمن، وازدياد التوتر الأمني والسياسي في عموم الشرق الأوسط، الذي يشهد موجات متتالية من النزوح واللجوء كظاهرة هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، مما يرسم علامة استفهام بشأن توقيت تقليص "الأونروا" لخدماتها الإنسانية في كافة أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين بعامة، وفي لبنان بخاصة. وبالنظر في ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والظروف المحيطة بهم، نشير إلى الملاحظات التالية: أولاً: أن الدولة اللبنانية تمنع الفلسطينيين اللاجئين على أراضيها من العمل في 70 وظيفة. ثانياً: أن الدولة اللبنانية تمنع الفلسطيني اللاجئ من حق التملك للعقارات، حتى وإن كان لغرض السكن. ثالثاً: أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان غاية في الصعوبة والشقاء، بالنظر إلى تدني مستوى الخدمات، والاكتظاظ السكاني المرتفع جداً مع عدم توفر أماكن للسكن والمعيشة اللائقة بحياة الإنسان، وتهالك البنى التحتية، وازدياد حالات التسرب المدرسي، والاضطراب الاجتماعي.. رابعاً: أن واقع الدولة اللبنانية يشهد توتراً أمنياً، وقلقاً سياسياً نتيجة انعكاسات الأزمة السورية، وتدخل حزب الله عسكرياً لصالح النظام السوري. خامساً: أن عموم الأوضاع الاقتصادية في لبنان سيئة جداً؛ مع توقف السياحة منذ خمس سنوات، وهروب رؤوس الأموال إلى خارج البلد، وتعطل عمل مؤسسات الدولة الدستورية لا سيما الفراغ الرئاسي، وعدم انتخاب برلمان جديد، وشلل الحكومة اللبنانية التوافقية.
إذن، نحن أمام أجواء محلية وإقليمية طاردة، لا تبعث على الشعور بالأمن والاستقرار. وإذا أضفنا إلى ذلك سياسة وكالة "الأونروا" في تقليص الخدمات، أو توقفها نهائياً كما كان مرتقباً العام الماضي، فإن ذلك يعني دعوة صريحة للاجئين الفلسطينيين المستفيدين من خدمات "الأونروا" أو العاملين في مؤسساتها، إلى التفكير والبحث عن خيارات أخرى خارج لبنان، ومنها اللجوء إلى أوروبا أو استراليا أو كندا..، وهو ما بدأ يُشاهد في أوساط اللاجئين، حيث الاصطفاف لساعات طويلة على أبواب السفارات الأجنبية، والشروع بالهجرة من شمال لبنان عبر البحر إلى تركيا واليونان.. وإذا كان الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قد هاجروا بفعل الحرب التي ما زالت رحاها تدور وتهلك الحرث والنسل، فإن هذا يشي بمخطط معدّ بغية تفريغ الجغرافيا السياسية الحيوية المحيطة بفلسطين التاريخية من الفلسطينيين، تهيئة لشطب حقّ العودة إلى فلسطين واقعياً.
لا يمكن –سياسياً- فهم تراجع خدمات "الأونروا" أو وقفها نهائياً على أنه مجرد أزمة مالية؛ لأن مفاعيل ذلك النهج سياسي بامتياز، ويمس صلب القضية الفلسطينية: قضية اللاجئين وحق العودة إلى الديار التي هجّروا منها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948 وإذا كانت الأمم المتحدة ـ بصفتها المرجعية العليا لوكالة "الأونروا" ـ قد تراجع دورها في حل الأزمات الدولية، وأصبحت تعكس اليوم أكثر من أي وقت مضى، رغبات وسياسات الدول الدائمة العضوية المنحازة بمعظمها للكيان "الإسرائيلي"، فإن هذا يثير الشبهة حول سياسات "الأونروا" بحق اللاجئين الفلسطينيين. وبالتالي، فإن المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، تتحمل المسؤولية مجدداً عن التقصير أو التآمر ضد حق الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم التي هجّروا منها، بالتوازي مع مسؤوليتهم في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس كافة أنواع الانتهاكات السياسية والإنسانية بحق الفلسطينيين. ويبقى السؤال: أين موقع ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي مما يجري بحق اللاجئين الفلسطينيين؟! فهل مجرد الإدانة أو الاستنكار يرفع المسؤولية عنهم؟!
أحمد الحيلة