دولي

بين عياش وملحم سلسلة متصلة منذ عشرين عاما

القلم الفلسطيني





قبل عصر اليوم الأول من العام الميلادي الجديد 2016 لم يكن أحد يسمع باسم الشاب نشأت ملحم من بلدة عرعرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لكن هذا الشاب أقلق راحة الكيان الصهيوني على مدار أسبوع كامل قبل أن يرتقي شهيدا.
لم يكن صدفة أن تتزامن عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد ملحم في شارع "ديزنغوف" بـ "تل أبيب" وقتل فيها صهيونيين، وكذلك استشهاده، مع إحياء الذكرى العشرين لاغتيال المهندس يحيى عياش. فطوال قرن من الزمان لم تتوقف مسيرة جهاد الشعب الفلسطيني، وفي كل مرحلة كان هناك من يحمل الراية ويقوم بدوره قبل أن يرتقي شهيدا أو يقع أسيرا في قبضة المحتلين. فبعد اغتيال الشهيد العياش، ظن قادة الكيان أنهم وجهوا ضربة قاصمة للمقاومة الفلسطينية، وأن جذوتها ستنطفئ، لكن عمليات الثأر المقدس التي أعقبت اغتياله أثبتت أن روح المقاومة لا تزال تسري في عروق هذا الشعب، وأن كل قائد أو مقاوم يستشهد يخلفه قائد أو مقاوم آخر يحمل الراية ليسلمها لمن يأتي خلفه. وجاءت عملية "ديزنغوف" التي أجبرت الصهاينة على التزام منازلهم، وفرضت منع التجول على شوارع تل أبيب، لتعيد إلى الأذهان العمليات الاستشهادية التي شهدتها تل أبيب على مدار عقدين ماضيين، وأشهرها على الإطلاق العملية التي نفذها الشهيد صالح صوي عام 1994 ووقف خلفها "المهندس". نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الدكتور موسى ابو مرزوق، والذي نعى الشهيد ملحم، قال في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "منذ قرن من الزمان ومسيرة العطاء لم تنقطع، ما تكاد تنتهي موجة من نضال شعبنا وعطائه، إلا وتولد أخرى، حتى تعود الأرض إلى أصحابها، وتندحر قوى الظلام عن مسجدنا". وخلال ثلاثة أعوام طارد الشهيد المهندس المحتلين وطاردوه، تخيلوه في كُنُسِهم ومعاهدهم، بحثوا عنه في كل شارع وزقاق، واستطاع هو أن يحفر اسمه في سجل الخالدين ولم يتم عامه الثلاثين. وكذلك حال الشهيد ملحم، الذي استشهد بعمر مشابه لعمر المهندس، بعد أسبوع من المطاردة الساخنة التي لم تقتصر على الأراضي المحتلة عام 48، بل امتدت إلى مناطق بالضفة المحتلة. الشهيد المهندس والشهيد ملحم، استطاعا ببطولتهما ودمائهما أن يلغيا الحدود الفاصلة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وأثبتا فشل محاولات تقسيم هذا الشعب بين سكان الضفة وغزة والداخل المحتل. الشهيدان العياش وملحم، سطع نجمهما بما تميزا به من شجاعة وإقدام وإبداع، فالمهندس استطاع بإمكانات بسيطة أن يجهز عبوات ناسفة دبت الرعب في صفوف المحتلين، وتغلب على أجهزة الاستخبارات الصهيونية واستطاع خداعها. وكذلك الشهيد ملحم، فقد استطاع التمويه على أجهزة الاستخبارات باستخدام نظارات خاصة شوشت على كاميرات التصوير في مكان العملية، وانسحب من المكان دون أن يتمكنوا من الإمساك به. شعور بالفخر والاعتزاز بالشهيد ملحم وبصنيعه واستشهاده وهو قابض على الزناد، بدا واضحا في تعليقات الآلاف من الفلسطينيين في مختلف أماكنهم، والذين نشروا صوره وسطروا عليها عبارات الاعتزاز. وفي المقابل جاء تراجع وزارة الصحة الفلسطينية عن إدراج اسم الشهيد ملحم على قوائم شهداء انتفاضة القدس والذين وصل عددهم باستشهاد ملحم إلى 150، لثير استياء واسعا بين الفلسطينيين، لينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاغ) الشهيد_150_غصبن_عنكم. رحل العياش، ورحل ملحم، وما بينهما سنوات عشرون قدم فيها الشعب الفلسطيني خيرة قادته وأبنائه شهداء على مذبح الحرية، وما زال لدى هذا الشعب الكثير الكثير ليقدمه لاسترداد أرضه وقدسه وعودة لاجئيه.
أحمد عبد الله

من نفس القسم دولي