دولي

الحاخامات وفقه التوحش المسكوت عنه

القلم الفلسطيني




سمح الكشف عن هوية منفذي جريمة إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية مؤخراً بتسليط الأضواء على الحاضنة الدينية والأيدولوجية التي تنمو فيها التنظيمات الإرهابية اليهودية؛ فقد تبين أن هذه الجريمة -التي تعد من أبشع ما ارتكبته التنظيمات الإرهابية اليهودية حتى الآن- كانت نتاج تعبئة دينية وأيدولوجية، وبتشجيع مباشر وغير مباشر من مؤسسات الحكم في الكيان الصهيوني. ودلت التحقيقات مع عناصر التنظيم الإرهابي المسؤول عن تنفيذ جريمة إحراق عائلة دوابشة وعشرات الاعتداءات الأخرى، أن القاسم المشترك بينهم انتماؤهم جميعاً لمدارس تديرها مرجعيات حاخامية بارزة، اشتهرت بفتاويها المحرضة على قتل العرب، وتسويغ كل أشكال العنف ضدهم. لقد تبين أن معظم منفذي العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين هم من أتباع الحاخام إسحاق غيزنبيرغ، الذي يدير مدرسة "عود يوسيف حاي" في مستوطنة "يتسهار"، المقامة على أراضي محافظة نابلس، حيث اشتهر غيزنبيرغ بشكل خاص بفتاويه التي تحرض بشكل مباشر على قتل الفلسطينيين والفتك بهم.
إصدار الفتاوى المحرضة على قتل الفلسطينيين لا تتوقف على الحاخام إسحاق غيزنبيرغ؛ فقد أيد أيضا الحاخام دوف ليئور -الذي يعد أبرز المرجعيات الدينية لحزب "البيت اليهودي"- جريمة إحراق عائلة دوابشة" ففي مطلع عام 2013 أصدر غيزنبيرغ ما يمكن عدّه "المسوغ الفقهي" الذي عملت على أساسه مجموعات "شارة ثمن" الإرهابية اليهودية، التي نفذت عشرات الاعتداءات في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وأحرقت عدداً كبيراً من المساجد وثلاث كنائس في الضفة الغربية وداخل المدن التي يقطنها فلسطينيو الداخل. وحسب غيزنبيرغ، فإنه يتوجب تفهم جرائم "شارة ثمن" على أنها "مقدمة طبيعية للخلاص اليهودي"، حيث عدّ هذه الجرائم بمثابة "المخاض الذي تمر به الأمة قبل تحقيق الخلاص" (صحيفة ميكور ريشون 14/8/2013). ومما يدلل على الرابط القوي بين هذه الفتاوى والتنظيمات الإرهابية حقيقة أن جميع الذين ثبت تورطهم في جرائم "شارة ثمن" هم من طلاب غيزنبيرغ نفسه، وعندما تم الكشف عن هوية منفذي جريمة إحراق عائلة دوابشة سارع غيزنبيرغ لتقديم الغطاء "الشرعي والفقهي" لطلابه، ورأى أن هذه الجريمة كانت بمثابة تنفيذ "لفريضة شرعية" (هآرتس 24/12/2015). وتنبع خطورة فتاوى غيزنبيرغ في أنه يعد من أهم المرجعيات الدينية اليهودية على مستوى إسرائيل والعالم، ويتبعه عشرات آلاف من الشباب اليهودي، وسبق لغيزنبيرغ أن ألف كتاباً بعنوان "تبارك البطل"، خصصه لكيل المديح للإرهابي باروخ غولدتشاين، الذي أطلق النار في 25/2/1994 على المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل أثناء ركوعهم في صلاة الفجر، فقتل 29 منهم وأصاب العشرات. لكن إصدار الفتاوى المحرضة على قتل الفلسطينيين لا تتوقف على غيزنبيرغ؛ فقد أيد الحاخام دوف ليئور -الذي يعد أبرز المرجعيات الدينية لحزب "البيت اليهودي" المشارك في الائتلاف الحاكم- جريمة إحراق عائلة دوابشة، مع العلم أنه سبق أن وصف المجرم باروخ غولدشتاين "بالصديق" بسبب جريمته النكراء. وأثبت تحقيق عرضته قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية بتاريخ 26/11/2015 أن عدداً كبيراً من المرجعيات الدينية الوازنة تجاهر بتأييدها جريمة إحراق عائلة دوابشة. وتلفت الصحافية الإسرائيلية أبيراما غولان الأنظار إلى أن بعض الحاخامات الذين تحفظوا على جريمة إحراق عائلة دوابشة أقدموا على ذلك بسبب قلقهم من تداعياتها وإمكانية أن تؤثر سلباً على مشروع إقامة "دولة الشريعة بدل دولة إسرائيل الحالية، وليس لدواع قيمية أخلاقية أو دينية" (هآرتس 27/12/2015). ومما لا شك فيه أن أخطر "المصنفات الفقهية" اليهودية التي صدرت حديثا، وتسوغ قتل العرب لمجرد أنهم عرب، وعدم التفريق بين طفل وبالغ، هو كتاب "شريعة الملك"، لمؤلفه الحاخام إسحاق شابيرا، الذي صدر عام 2009. وهناك في إسرائيل من يرى أن أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية الذين يتعمدون المس بالأطفال الفلسطينيين تأثروا بمصنف "شريعة الملك"، لأنه تضمن "مسوغات فقهية" توجب قتل الرضع العرب بحجة أنهم عندما يكبرون سيحاربون إسرائيل، لذا فالأجدر أن يتم قتلهم مبكراً. على الرغم مما يعكسه كتاب "شريعة الملك" من شطط وخلل أخلاقي وقيمي وديني، فإن العشرات من الحاخامات أيدوا ما جاء فيه، في حين عدّه عدد من أعضاء مجلس الحاخامية الكبرى إبداعاً فقهياً" المفارقة أنه على الرغم مما يعكسه هذا الكتاب من شطط وخلل أخلاقي وقيمي وديني، فإن العشرات من الحاخامات أيدوا ما جاء فيه، في حين عدّه عدد من أعضاء مجلس الحاخامية الكبرى -التي تعد أكبر هيئة دينية رسمية في إسرائيل- "إبداعاً فقهياً". أما الحاخام مئير دفيد دركمان عضو مجلس الحاخامية العليا والحاخام الأكبر لمدينة "كريات موسكين"، فقد كتب مقالاً في موقع "حباد أون لاين"، الذي يعبر عن حركة "حباد" الدينية بعنوان: "أنا إرهابي فخور"، حيث عدّد فيه الأسباب التي توجب -حسب وجهة نظره- ضرورة منح منظمة "لاهفا" الإرهابية اليهودية جائزة "إسرائيل"، التي تعد أهم جائزة رسمية، بسبب دورها في تنفيذ الاعتداءات على الفلسطينيين في القدس (هآرتس 14/1/2015). ويمكن الإشارة إلى عشرات الفتاوى التي أصدرها كبار الحاخامات وتحث على القتل الصريح. ولا يقتصر تحريض المرجعيات الدينية اليهودية على قتل الفلسطينيين، بل أن عدداً من كبار الحاخامات يهتم "بالتأصيل الفقهي" لتسويغ سرقة الفلسطينيين ونهب ممتلكاتهم ومحاصيلهم. ولقد أفتى الحاخام شموئيل مردخاي عضو الحاخامية الكبرى والحاخام الأكبر لمدينة صفد المحتلة بأنه لا "خطيئة" على اليهودي في حال سرق من عربي، لأن العرب في الأساس لصوص (هآرتس 23/12/2015). وحث الحاخام زلمان ملميد -من كبار حاخامات الصهيونية الدينية- طلابه في مستوطنة "كرنيه شمرون" الواقعة غرب مدينة قلقيلية (غرب الضفة الغربية) على سرقة محصول الزيتون من الفلسطينيين، كما أفتى الحاخام نفسه بجواز تسميم الآبار التي يشرب منها الفلسطينيون (معاريف 22/7/2015).
صالح النعامي

من نفس القسم دولي