دولي
فتح هل ستستعيد نفسها؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 جانفي 2016
تحتفل حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) هذه الأيام بمرور 51 عاماً على انطلاقتها، حين صدر بلاغها العسكري الأول، ليعلن عن بدء مرحلة كفاحية جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني. قطعاً، لم تكن تلك العملية العسكرية التي دشنت هذه المرحلة تاريخ الميلاد الحقيقي لهذه الحركة العملاقة التي اعتبرت نفسها، وبحق، أنها حركة التحرر الوطني الفلسطينية المعاصرة. فقد سبق إعلان تلك الانطلاقة في 1/1/1965 سنوات من الإعداد والتحضير، يرجعها مؤرخون إلى خلايا العمل المسلح في قطاع غزة في منتصف الخمسينات، إلا أن الشهيد خليل الوزير في كتابه "البدايات" يقول إن أول اجتماع رسمي لكيان يدعى فتح عقد في الكويت في سنة 1957، وضم خمسة أشخاص، بينهم الوزير وياسر عرفات. في اللقاء الثاني، تخلف أحد الخمسة عن الحضور لعدم اقتناع بالفكرة. لكن المسيرة استمرت لتسفر عن أكبر حركة وطنية فلسطينية في العصر الحديث، ولتفجر الثورة الفلسطينية المعاصرة، رافعة رايات الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين. هي 51 عاماً على إعلان الانطلاقة، لكنها تقترب من 60 عاماً على بداية الخلايا الأولى لحركة فتح، قدمت خلالها معظم قادتها شهداء، بمن فيهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات، إضافة إلى الآلاف من الكوادر والمناضلين، وخاضت المعارك والحروب مع العدو، وفجرت الانتفاضات الشعبية، وأعادت بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وكرست نهج المقاومة والكفاح المسلح، ورفعت اسم فلسطين عالياً في كل الآفاق. وعبر مسيرتها، حققت إنجازات كبرى، وانتصارات مميزة، كما تعرضت لإخفاقات وتراجعات في مسيرتها السياسية.
عوّدنا التاريخ وعلمنا أنه يمجد الأبطال، ويخلد ذكراهم. ويسجل مآثرهم بأحرف من نور، لكنه لا يتوقف عندهم، ولا ينتهي بحكاياتهم، بل يستمر ما استمرت الحياة، مهما تغير اللاعبون على مسرحها، وهو قانون إلهي، حين يدفع الله الأمم بعضها ببعض، ليستمر تطور الحياة البشرية، كما يستمر النضال من أجل تحقيق الأهداف الكبرى، وهذا ما يفسر الصعود والهبوط، والتقدم والتراجع، وأحياناً الانحدار والاندثار. يستوي في ذلك الحركات والأفراد، والأمم والدول التي سادت فترات ثم بادت، حين اختفت عناصر قوتها، ودب الوهن والضعف في مفاصلها، ليحل مكانها من هو أجدر بحمل الراية ومتابعة المسيرة، سواء كان ذلك من رحمها أم من بدائلها التي حتماً ستأتي، إذ لا تتحمل الحياة الفراغ، وثمة دوماً من تهيئه الظروف الموضوعية، والقدرة الذاتية، والطموح بالتغيير والثورة على ما هو قائم، لكي يحتل مكانه الطبيعي في مستقبل الأحداث.
وعلى الرغم من أن قيادة حركة فتح، وبفعل الضغوط العربية والدولية، قد بدأت منذ برنامج النقاط العشر (1974) في تلمس طريقها نحو التسوية مع العدو الصهيوني، إلا أنه يسجل لها أنها استمرت في المحافظة على بندقيتها، وخاضت أعنف معاركها في ظل هذه الظروف، ولم يسجل عليها أنها غيرت في وثائقها، أو في تعبئتها الفكرية والجماهيرية، وحتى استشهاد الرئيس ياسر عرفات، بعد أن فجر الانتفاضة الثانية، عندما أدرك عقم "مسار أوسلو" بعد مفاوضات كامب ديفيد (2000). لكن، ثمة تحول بارز ينبغي الوقوف عنده، بعد استشهاد الرئيس عرفات، حين تم إعادة إنتاج "أوسلو" التي كانت الدبابات الصهيونية قد أنهتها لدى اجتياحها مدن الضفة الغربية. شكلت إعادة إنتاج أوسلو مرحلة مختلفة كلياً في مسار "فتح"، إذ أعادت الحركة طريق المفاوضات مع العدو، في ظل اتفاقات أمنية واقتصادية، وضعت الوضع الفلسطيني كلياً بين براثن الاحتلال، وأقفلت كل طرق المقاومة والتصدي، وزجت "فتح" ومناضليها في زواريب السلطة، وحمّلتها تبعات سلطة مرتهنة للاحتلال، ووضعت جزءاً من كوادرها في أجهزة التنسيق الأمني. لم يتمكّن هذا النهج من تحقيق أي إنجاز على مستوى دحر الاحتلال، أو تقليص المستوطنات، أو الإفراج عن الأسرى، كما تراجع اهتمامها بالشتات الفلسطيني، وبفلسطين المحتلة منذ 1948، والأهم أنها لم تتمكن من ترسيخ نهج مختلف للمقاومة، حتى لو كانت شعبيةً سلميةً شاملة. باختصار، فقدت "فتح" مشروعها النضالي الأساسي الموحد لكل مكونات الشعب الفلسطيني، ولم تتمكن من صياغة مشروع آخر، حين غرقت في السلطة، وفي دهاليز المفاوضات العبثية. وفي ذلك خطر كبير، لأن "فتح" بالأساس مشروع نضالي مقاوم، يستهدف تحرير فلسطين.
ولكن حركة فتح، وفي ذكرى انطلاقتها، مطالبة بأكثر من التغني بتاريخها المجيد الذي لا يختلف عليه أحد. إنها مطالبة بالالتفات إلى حاضرها، والتخلص من أوهام السلام، والخروج من نفق المفاوضات، والعودة إلى مناهضة المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، وإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني الموحد لكل طاقات الأمة ومكوناتها، وقيادة المقاومة والتصدي حتى دحر الاحتلال.
معين الطاهر