دولي

فلسطين... الهم والمسؤولية

القلم الفلسطيني





كانت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم أهدأ منها في السنوات الماضية، وهذا دليل على تضاؤل الأمل بالانفراج. في المقابل، لا دليل على الاستقالة من الأمل في قيام دولة فلسطين. وربما عاد الهدوء إلى أن اللحظة مناسبة لإعادة النظر بصياغة استراتيجية متجددة للمقاومة، واستنباط وسائل مجابهة للسياسة الإسرائيلية المتبعة حالياً، والتي تلغي عملياً احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة.
بمعنى آخر، علينا استبدال تسمية الضفة الغربية "محتلة"، لأنها أرض مغتصبة بالمستعمرات المسماة مستوطنات. لذا، لا مفر من عدم الاكتفاء بأنها غير شرعية، لأنها أرض تم الاستيلاء عليها بالمصادرة والاغتصاب.
لم تحترم إسرائيل مطلقاً اتفاقيات جنيف الرابعة التي لا تجيز أي تغيير أو تعديل داخل أي من الأراضي المحتلة. لذا، ينفي الاستيطان صفة الاحتلال، وبالتالي، إسرائيل مغتصبة، وحتماً ليست محتلة أراضي الضفة.
تزامن استمرار الاستيطان مع الاعتداءات المتكررة على القدس الشرقية يستهدف التمهيد لإلغاء احتمالها عاصمة لدولة فلسطين. وتنفيذاً للهدف الصهيوني الأساسي ضد احتمال قيام دولة فلسطين، وبالتالي قيام أية عاصمة لها. والجدير بالذكر أن لا واشنطن، ولا أيّ عاصمة أوروبية، صغرى أم كبرى، تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ماذا عن وضع غزة؟ اعتبرها شارون كياناً عدائياً بعد سحب قواته منها، ما يفسر حروب إسرائيل الثلاث على القطاع، مدركة أن الاستمرار في العدوان يسمح به أن مصر التي كانت راعية في القطاع لم تعد تحول دون الاعتداء على غزة، ولو أنها ساعدت الغزيين في النواحي الإنسانية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف على الفلسطينيين، والعرب إجمالاً، تفعيل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتحويلها وقائع على الأرض، لكسب الوقت، والحؤول دون تمكين إسرائيل من الاستمرار في الاستيطان، وتحويله أمراً واقعاً؟
لا بد، هنا، من التنويه بقراري البرلمانين الإسباني واليوناني، قبل أيام، بالاعتراف بدولة فلسطين، إضافة إلى 136 دولة عضواً في الأمم المتحدة، أي أكثر من 70% من دول العالم. وهذا من شأنه أن يضاعف من مسؤولية الفلسطينيين والعرب، لتعزيز هذا الزخم الدولي، ورفع وتيرة التحرك لإنجاز الخطوات اللازمة على مختلف الصعد، لترجمة إقامة الدولة. وفي هذا السياق، المطلوب من الدول العربية وحلفائها، وهم أكثرية الأعضاء في الأمم المتحدة، القيام بحملة عالمية سياسية ودبلوماسية وإعلامية لمقاطعة إسرائيل، وطرح الموضوع بشكل جدي ومسؤول وواقعي، في ضوء دراسة قانونية كاملة، لا لإدانة إسرائيل فحسب، بل أيضاً لإجبارها على الانسحاب من الضفة الغربية، وتفكيك مستعمراتها، واحترام اتفاقية جنيف الرابعة، لكي تقوم الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة بعاصمتها القدس الشرقية. وبذلك، على السلطة الفلسطينية القيام بحملة تعبئة عربية وعالمية، قبل أن تتمادى إسرائيل في استباحة الأرض والحقوق، كما هي فاعلة.
هذه المسؤولية تتحملها الشعوب العربية كافة، كما عودتنا، وعليها أن تستأنف تفعيل التزامها بالقضية الفلسطينية أولوية في نضالاتها اليومية. وعلى الحكومات العربية أن تجعلها أولوية في برامجها وسياساتها الخارجية والداخلية، وأن تقرّر منظمة التحرير الفلسطينية تفعيل نشاطات الدولة ومؤسساتها في الداخل والخارج، ومطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ القرارات المعنية بالحقوق الفلسطينية، ليس فقط الصادرة عن الجمعية العامة، بل أيضاً أن تعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن، يمهد لقيام دولة فلسطين بأسرع الممكن.
فالجميع يدرك أن الولايات المتحدة، خصوصاً في هذه السنة التي ستشهد انتخابات رئاسية، مع ما رافق حملات أكثرية المرشحين من تأييد إسرائيل، استجابة لضغوط اللوبي الإسرائيلي، بحيث يكون ذلك عقبة غير سهلة في طريق قيام الدولة. ولكن، على العرب، وخصوصاً العرب الأميركيين وأصحاب الضمير، كائناً من كانوا، القيام بحملات إعلامية مكثفة، تتسم بالإصرار والجدية والموضوعية، وأن يمارسوا جميع الضغوط الممكنة على أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية وغيرها، كي يضعوا الوقائع على حقيقتها، بدل أن يتركوا الساحة خالية يستأثر بها اللوبي الإسرائيلي المدمن على تشويه الحقائق. فالمهم، في هذا الإطار، أن تتصرف بعثتا جامعة الدول العربية وفلسطين لدى كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بشكل يعطي المصداقية لاحتضان الدول العربية والجامعة قضية فلسطين.
كاتب ودبلوماسي ومفكر عربي

من نفس القسم دولي