دولي

الاحتفاء الإسرائيلي بـ«نخبة» السيسي

القلم الفلسطيني




احتفت «إسرائيل» أيما احتفاء بما صدر عن يوسف زيدان، الذي يصف نفسه بـ"مفكر مصري"، والذي نفى أن يكون للمسلمين أي حقوق في القدس. وقد اعتبرت نخب اليمين المتطرف في تل أبيب أن ما صدر عن زيدان يدلل على صدقية موقفها من الصراع وبشكل خاص من قضية القدس وهناك من المنظمات اليهودية المتطرفة التي اعتبرت كلام زيدان يضفي صدقية على مخططاتها لتدمير المسجد الأقصى. وقبل شهرين خرجت «إسرائيل» عن طورها في رثاء الكاتب المسرحي المصري علي سالم، الذي وافته المنية في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي. فإلى جانب المقالات التي كتبها مستشرقون وباحثون ومعلقون بارزون، عنت جامعات ومراكز تفكير رائدة في «إسرائيل» بتنظيم أيام دراسية للوقوف على معالم «تراثه». وبمناسبة مرور 40 يوما على وفاته، نظمت جامعة تل أبيب يوماً دراسياً تحت عنوان: «علي سالم: رجل الحقيقة والسلام والحرية»، من المقرر أن يشارك فيه عدد كبير من كبار الباحثين والأدباء» والمستشرقين الصهاينة، حيث ستعرض ثماني أوراق بحثية حول سالم وتأثيره على العلاقات الإسرائيلية المصرية. وإن كان الصهاينة لم يبخلوا في كيل المديح لعلي سالم في حياته، فإن ما يلفت في الاحتفاء الذي عبرت عنه المقالات التي كتبت في رثائه وعناوين الأوراق التي قدمت للحديث عن «تراثه» حقيقة أنه يعبر عن شعور صهيوني بالرضى لاستجابة سالم بشكل «مثالي» لمعايير العربي «الجيد» كما تحددها الاتجاهات الاستشرافية في نسختها الأكثر عنصرية وتعالياً. فعلي سالم المنبهر بـــ«إسرائيل» وتقدمها التكنولوجي والمتحمس للتطبيع معها لم يبلور مواقفه منها فقط بمعزل عن سلوكها الإجرامي ضد شعبه وأمته؛ بل إنه لم يتورع عن تحميل ضحايا الاحتلال الصهيوني المسؤولية عما لحق بهم من ظلم وعسف لأنهم لم يستجيبوا لعروض «السلام» الإسرائيلية التي تعني تجريدهم من حقوقهم الوطنية والإنسانية. ففي مقال «الرثاء» الذي نشره بتاريخ 25-9، لفت «مركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي الأنظار بشكل خاص إلى حرص علي سالم على شيطنة المقاومة الفلسطينية والتشكيك في توجهاتها، وتحريضه المباشر على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعلى حركة حماس.
وإن كان الكثير من النخب الإسرائيلية قد حملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المسؤولية عن إفشال تطبيق اتفاقيات أوسلو، فإن «مركز أبحاث الأمن القومي» يشيد بشكل خاص بتحميل علي سالم ياسر عرفات المسؤولية عن «تخريب» فرص التوصل لتسوية سلمية للصراع بسبب «نيته المبيتة» لإفشال اتفاقات أوسلو. ولا حاجة للتذكير بأن حكومة أرئيل شارون قد استندت إلى نفس «المسوغات» التي استند إليها سالم في شن حملة «نزع الشرعية» عن عرفات، وهي الحملة التي انتهت بتصفيته. ولم يكن من المستهجن أن تكون النخب اليمينية الصهيونية تحديداً هي الأكثر احتفاءً بـ«تراث» علي سالم؛ حيث أن هذه النخب لم تتورع في توظيف هذا «التراث» في تقريع خصومها من اليساريين بسبب مواقفهم الانتقادية من سياسات حكومة اليمين المتطرف. فقد شكك الكاتب اليميني روني آيدر في «وطنية» «الأدباء» اليساريين الذين قرروا مؤخراً مقاطعة أنشطة وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ احتجاجاً على سياسات حكومة نتنياهو، وعلى رأسهم عاموس عوز. ولم ينس آيدر تذكيرهم بأن سلوك حكومات اليمين لم يقنع في حينه «المصري» علي سالم بمقاطعة «إسرائيل». ولم يفت المستشرق أوفير فنتور في مقال «الرثاء» الذي نشره موقع «مركز أبحاث الأمن القومي» بتاريخ 24-9 إلى لفت الأنظار إلى حقيقة أن النقد الوحيد الذي وجهه علي سالم لــ«إسرائيل» تمثل في «عتبه» عليها لأنها لم تسمح باندماج الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية، على اعتبار أن مثل هذ الخطوة كفيلة بالإسهام بحل الصراع. لكن الاحتفاء بالعربي «الجيد» لا يقتصر على علي سالم، بل يطال كل عربي يبلور تصوره عن «إسرائيل» بمعزل عن إجرامها بحق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. معايير «العربي الجيد» كما تصيغها الاتجاهات الاستشرافية لا تغطي على بعض الاعترافات النادرة التي تدلل على هوية أولئك العرب الذين يحترمهم قادة الصهاينة في قرارة أنفسهم. فقد نقل الشاعر الإسرائيلي حاييم غوري عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن غوريون قوله في خطاب ألقاه أواخر ديسمبر عام 1935 أمام اللجنة التنفيذية لحزب «مباي» بعيد الإعلان عن استشهاد الشيخ عز الدين القسام، السوري الذي أسس للمقاومة الفلسطينية المنظمة، أن مقتل القسام مثل «أهم ظاهرة أخلاقية» أسفر عنها «النضال العربي» ضد الوجود الصهيوني.
ووصف بن غوريون القسام بأنه «يوسيف ترمبلودر» العربي؛ مع العلم أن ترمبلودر هو قائد عسكري صهيوني قتله المقاومون الفلسطينيون عام 1920 وتحول بعد موته إلى أسطورة في نظر الصهاينة. ولا حاجة للتذكير بعبارة رئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق إيهود براك الشهيرة، التي أطلقها بعيد تسرحه من الجيش عام 1991: "لو ولدت فلسطينياً لكان من الطبيعي أن انضم إلى إحدى المنظمات الإرهابية". قصارى القول: العربي «الجيد» في نظر الصهاينة هو الذي تصهينت منظومته القيمية والأخلاقية.
د. صالح النعامي

من نفس القسم دولي