دولي

هل تخلت الأمة عن فلسطين؟!

القلم الفلسطيني



ثمّة خطاب تقليدي مغرق في نمطيته يتردد على ألسنة كثير من السياسيين والقادة والمتحدثين الفلسطينيين عند حديثهم عن موقع قضية فلسطين في وعي الأمة حالياً، وهو الإشارة المتكررة إلى انشغال ساحات الأمة بصراعات داخلية ونسيانها قضية فلسطين، التي تعدّ مركزية وتتجاوز أهمّيتها النطاق الجغرافي الفلسطيني، أو هكذا يفترض كثيرون أنها ينبغي أن تكون.
وثمة حقيقة يسقطها كثيرون من حسبانهم، وهي أن تفاعل الأمة مع قضية فلسطين لم يكن في السابق أفضل مما هو عليه الآن، أي قبل ذلك (الانشغال) بالقضايا الداخلية، فحين كانت البلاد العربية والإسلامية تعيش استقرارها الموهوم تحت جناح أنظمتها المستبدة أو المتواطئة مع سياسات المستعمر الخارجي لم تفلح شعوبها في تقديم شيء عملي لفلسطين أو لقضيتها، حتى في أكثر مراحلها سخونة ونزفاً واحتياجاً للنصير. لكنّ الاعتياد على هجاء عموم العرب والمسلمين بالعموم لتقصيرهم تجاه فلسطين هو تقليد فلسطيني قديم يصعب أن ينتهي، غير أنه أن كان مقبولاً في السابق، فهو يبدو غير منطقي الآن، لأن ما يجري داخل ساحات الأمة (أو معظمها) ليس صراعات داخلية، أو لا يمكن اختزاله بمثل هذا التعبير القاصر، بل هو في أساسه نضال طويل ومرير للتحرر من الطغاة وأدواتهم، وللخروج من أسر الهيمنة والتبعية التي سيطرت عقوداً على الأمة وجرّدتها من استقلال قرارها وبأسها ومهابتها، بفعل أنظمة ظالمة وقمعية ومرتهنة للإرادة الخارجية. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فما كان ممكناً من الشعوب المقيّدة حريّتها والمسلوبة كرامتها أن تقدم شيئاً للفلسطينيين في أي من معاركهم القديمة أو الحديثة. أما الآن، فيلزم الفلسطيني الكثير من التفهّم لهذا المخاض الذي تعيشه ساحات الأمة المختلفة، مثلما يلزمه أن يدرك أن جرحها لا يقل فداحة عن جرحه، وكذا مآسيها متعددة الجوانب من قتل وأسر وتهجير وتجويع وحصار، فليست فلسطين وحدها المحتلة، ولا وحدها من تعيش حالة المعاناة ويتعرض شعبها للظلم والقهر، وما عاد هناك جدوى من المطالبات العدمية التي تستهدف الشعوب المكلومة وتفترض أن الفلسطيني فقط من يستحق الدعم غير المحدود من كل جهة أو شعب أو نظام، وهذا الأمر ينبغي أن يترتّب عليه تفهّماً للوضع داخل الأمة وإدراكاً لعاصفة التغيّرات التي تضربها، مثلما يتطلب انحيازاً –ولو معنوياً- لمظلومية شعوبها واحترام مشاعرها. صحيح أن فلسطين واسطة عقد قضايا الأمة، وأن وجود الصهاينة فيها هو أساس كثير من البلاء الذي لحق بالدول المحيطة وتسبب في إبقائها محيّدة عن الصراع ومهيضة الجناح ومسلوبة الإرادة ومحكومة بوصاية خارجية صارمة تضمن هدوء جبهاتها مع المحتل الصهيوني، لكن هذا ينبغي دائماً أن يحيلنا إلى حقيقة مهمة وهي أن الانتصار لفلسطين لا يمكن أن يأتي عن طريق أنظمة هذه الدول، ولا عن طريق شعوبها قبل تحررها منها وخلاصها من احتلالها المقنّع. فحين تتحرر الأمة من طغاتها وحفنة العملاء المهيمنين عليها سيكون الطريق إلى نصرة فلسطين يسيراً ومتاحاً لمن هم خارجها، أما قبل ذلك فستظلّ اتهامات التخاذل لشعوب الأمة عن نصرة فلسطين بلا أي معنى أو جدوى، وسيبقى المسار الأكثر فائدة من ناحية عملية أن يلتفت الفلسطيني داخل فلسطين لواجباته الحقيقية تجاه قضيته، وأن يدرك أن انتظامه في دائرة الصراع ضد المحتل هو الأصل في سلوكه وليس الاستثناء، وأن عليه أن يسعى دائماً لكسر معادلة الجمود واللافعل بدلاً من الانتظار العبثي وتصدير بعض مظاهر أزمته للخارج.
لمى خاطر

من نفس القسم دولي