دولي
الجيل الخامس.. بلدوزر المقاومة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 نوفمبر 2015
أخشى ما أخشاه أن ما تقوم به المؤسسات التربوية والسياسية والإعلامية في العالمين العربي والإسلامي لا يعدو كونه عملية غسيل أدمغة للأجيال في صورة منمقة توهم الناس مصداقيتها !! وإلا فكيف يمكن تفسير هذه الحالة من السكوت المخيف والمرعب على اقتحامات الأقصى اليومية وتقسيمه الزماني والمكاني؛ وانتهاكات الصهاينة والغرب والعملاء لكرامة الأمة على مسمع ومرأى وببث حي ومباشر من مواقع الأحداث في فلسطين والقدس وغزة وسوريا والعراق ولبنان وغيرها؟؟؟ وكأن الأقصى لم يعد مكوِّناً أصيلاً من مكونات عقيدة هذه الأمة !! ولقد أثبتت انتفاضة القدس أن سكينا أو حجرا في يد شاب فلسطيني ثائر أو فدائي مقدسي أو بطل خليلي أو نابلسي أو كرمي أو تلحمي أو ريحاوي أو غيرهم يؤثران في دولة الاحتلال وجيشها وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية أكثر من دول كاملة ومستقلة ومعترف بها وذات سيادة ولديها جيوشها وأسلحتها وكل أجهزتها السيادية شكلا أو موضوعا أو كليهما. ذلك لأن هذا الشاب لم يتخرج من تحت أيدي إعلام فاسد مفسد أو مؤسسات تربوية شكلية لم تعد أهدافها سوى تكويم وتكديس خريجين في سوق عمل طافح ؛ بل استطاع أن يرث المقاومة ويرضع حليب الانتفاضة واكسير الصمود وفيتامينات التحدي من أجيالٍ سبقته مقاومة بالحجر والكوع والمولوتوف بل مقاومة بصدره المكشوف أمام ترسانة الأسلحة الغربية المنسابة نحو العدو انسيابا؛ وهي لا تزال -هذه الأجيال- دون سن البلوغ البشري لكنها اليوم قد تجاوزت بمراحل سن البلوغ السياسي والفكري والثقافي الذي أنجب الجيل الخامس من المقاومين مخلِّفاً وراءه نفايات عقودٍ من الترهل والتكلس والأبوية ليقود بلدوزر المقاومة معتمدا بعد الله على ذاته وراكلاً كل ما ومن يعترض طريقه من المساومين. هذا الجيل الخامس هو الذي ورث عمن قبله البطولة والتحدي وتربى على مبادئ دايتون التي أقسمت إلا أن تخلق "الفلسطيني الجديد" من طينة جديدة ومن صلصال غير الفخار بل صلصال صهيو أمريكي مختوم بخاتم أوسلو التي أضحت أرملة منذ يومها الأول ليبقى بعض المخدوعين متمسكين بها تمسكهم بالحياة؛ كيف لا وقد أضحت أوسلو بالنسبة لهم الأرملة المرضع ولم تذهلها الأحداث الجسام عما أرضعت وعما زالت ترضع حليبا لا يمكن أن تدب منه الروح في جسد خاوٍ ببطن أرملة ذابلة أرهقتها السنون حزناً واكتئاباً. وحتى لا نترك أمر الجيل الخامس خاضعا للتأويل والتخمين فإن الجيل الأول هو جيل نكبة 48 والجيل الثاني جيل نكسة 67 والجيل الثالث هو جيل انتفاضة 87 والجيل الرابع جيل انتفاضة 2000 والجيل الخامس هو جيل انتفاضة القدس 2015 والذي تمرد على كل الموروثات البالية التي كانت تستهدف عملية الغسيل الدماغي لتبقى الأجيال مستسلمة مطواعة لحفنة من الأزلام المتلذذين بعذابات شعب عظيم لا شك يستحق قيادة بقدر تضحياته.
إن ولادة الجيل الخامس كانت طبيعية نوعا وسبقها مخاض صعب وعسير لذا كان المولود شابا عن الطوق فتيا في الأداء كريما في العطاء رائعا في البناء جادا في الولاء عميقا في الانتماء راسخا في الأرض شامخا في السماء.
لقد أجاد هذا الجيل عملية التعلم من نكبة ونكسة وانتفاضتين استثمرها صيادون وقناصون مهرة حرمت شعبنا من كثير من حقوقه؛ واليوم يمسك هذا الجيل المقود بروحه وقلبه وعقله وذراعيه ويعض عليه بالنواجذ، فلا تخذلوا هذا الشعب وهذا الجيل يا هؤلاء، وكونوا مع الله يكن الله معكم ومعهم.
د. محمد رمضان الأغا