دولي

الفيسبوك المقاوم

القلم الفلسطيني

 

باتت مواقع التواصل الاجتماعي تربةً خصبة للشبان الفلسطينيين تقّرب البعيد وتوصل الأحداث القريبة لمناطق أبعد، واستثمارها بشكلٍ جيّد ينتج مكاسب رائعةً لصالح القضية وعدالتها، حيث دخلت هذه المواقع على خط المواجهة مع المحتل بقوة، وأصبحت عاملاً مؤثراً في مجريات الأحداث على الأرض، وباتت صفحات الفيسبوك مثلاً دليلاً للمتظاهرين الفلسطينيين تظهر لهم خريطة الاشتباكات، وتنشر لهم معلومات توعوية حول أساليب الأمان خلال المواجهات، الأمر الذي أزعج الاحتلال ليسعى جاهداً في محاربة الفلسطينيين من خلال الفضاء الإلكتروني أيضاً. يصل عدد مستخدمي الفيسبوك في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حوالي مليون ونصف المليون، وفق إحصائيات العام الماضي. ومن بين مستخدميه في فلسطين، بلغ عدد الشباب في الفئة العمرية (15-29 عاماً) نحو مليون وستين ألفاً؛ منهم 580 ألفاً من الذكور، و460 ألفاً من الإناث. هذه الأرقام تؤشر إلى الدور الفاعل الذي يمكن لموقع مثل الفيسبوك أن يلعبه، وهو ما ظهر جلياً في الأحداث الجارية حالياً، وما سبقها من أحداث خلال العامين الماضيين. ففي الماضي، كانت تُدعى هذه الظاهرة “فزعة”، وهي مصطلح عربي يشير إلى تنبيه أو صرخة مدوية تهدف إلى تحفيز الجمهور على الهجوم. يبدو أن هذه الآلية القديمة تقف في قلب التحريض الذي يقود هذه “الانتفاضة” الأخيرة، التي شهدت أدوات من التحريض يعود تاريخها إلى ثورة 1936 ممزوجة بأولئك الشبان المعاصرين الذين يحصلون على معلوماتهم (من بين مصادر أخرى) من مواقع التواصل الاجتماعي لعام 2015.
تأثير تلك الوسائل الحديثة دفع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشن هجوم حاد على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقال: “إن معركتنا الأساسية يجب أن تتركز ضد مواقع التواصل الاجتماعي التحريضية والإعلام الفلسطيني”، جاء ذلك بعد أسبوع حافل بالمواجهات العنيفة بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
وكانت صحيفة هآرتس كشفت قبل فترة قصيرة أن جيش الاحتلال جهّز لأول مرةٍ في تاريخه وحدةً خاصةً بمراقبة الحواسيب، مهامها تدريب المجندين على أحدث الوسائل التكنولوجية لرصد المعلومات التي من شأنها تشكيل خطرٍ على مصالح (إسرائيل) الأمنية وتحديدًا "فيسبوك" و"تويتر"، وقد اعتقلت شرطة الاحتلال طفلةً من بئر السبع تبلغ من العمر 15 عامًا بحجة كتابتها منشورًا على حسابها فيسبوك تحرّض فيه على تنفيذ عمليات.
أما الشابة هدى العف، فإنها وجدت أثناء تحديثها لصفحتها على "فيسبوك" خبرًا يقفزُ أمامها مفاده أن "المخابرات الإسرائيلية أطلقت خمسة آلاف حساب عربي على الموقع لتتبع منشوراتٍ محرضة"، لتسخر قائلةً: "لم ينجحوا في تتبّع الأبطال على الأرض، ويريدون تتبع ما يكتبونه، لن ينجحوا في ذلك، لأننا أوعى منهم، والأيام علمتنا. أما الشاب الفلسطيني محمد زيارة رفع مقطعًا على حسابه المشهور في فيسبوك - يوثق جريمة إطلاق "إسرائيلي" الرصاص على جسدِ طفل بالقدس وتركه ينزف وسط ألفاظ قاسية يوجهها مستوطن للطفل في غمرة ألمه- ليحصل المقطع على عدد مشاهدات وصل إلى أكثر من مليوني مشاهد خلال وقت قصير مع تعليقات انهمرت من أنحاء العالم تندد بالجريمة، وتدعو إلى استمرار الانتفاضة. وقد كان أكثر توضيحًا كيف أن سلطات الاحتلال تجهز تهماً للشهداء، الأطفال منهم والشبان والنساء قبل إعدامهم بدمٍ باردٍ كما حدث مع هديل الهشلمون في الخليل، وفادي علون وحسن مناصرة في القدس.
لقد كان لوسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً موقع "فيسبوك" دور مقاوم خلال الشهرين الماضيين لاندلاع الانتفاضة، حيث اظهرت أداة فعالة لتحريك الشارع الفلسطيني، ونقل خريطة الأحداث وأخبارها أولاً بأول، إذ أصبح نافذة الفلسطينيين للتعرف على مجريات الأحداث، وخصوصاً في مناطق الاشتباك وفي داخل مدينة القدس المحتلة التي يغلقها الاحتلال في وجه الفلسطينيين. وأصبحت هذه الوسائل دليلاً للمتظاهرين والمرابطين في كيفية مواجهة اعتداءات الاحتلال، وتقديم معلومات يومية عن نقاط التماس وأعداد المصابين والمعتقلين. وأصبحت صور المرابطين رموزاً للمقاومة وتحدي جبروت الاحتلال.



أيمن أبو ناهية

من نفس القسم دولي