دولي

حظر الحركة الإسلامية... الاحتلال ينتقم لفشله بمواجهة الانتفاضة

بالنظر إلى أن القرار جاء بعد أيام معدودة من اعتداءات باريس


لم يكن مفاجئاً قرار رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو و"الكابينيت" السياسي بحظر نشاط الحركة الإسلامية الشمالية في الداخل الفلسطيني المحتل واقتحام شرطة الاحتلال لمؤسساتها وإغلاق 17 منها ومصادرة ممتلكاتها، عبر الاستعانة بأوامر وأنظمة الطوارئ البريطانية زمن الانتداب. وذلك في ضوء مسلسل التحريض الرسمي لنتنياهو ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل، منذ تصريحاته العنصرية يوم الانتخابات الإسرائيلية في مارس ومروراً بمحاولاته مواجهة الانتفاضة الفلسطينية والاحتجاجات على مخططات الاحتلال للتقسيم الزماني والمكاني في الأقصى.
وعلى الرغم من مساعي وزير الهجرة والاستيعاب في الكيان الصهيوني، زئيف إيلكين، الادعاء بأنّ قرار حظر الحركة قد اتخذ قبل أسبوعين، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة كون قرار الحظر أو الإعلان عنه تحديداً جاء بعد أيام معدودة من اعتداءات باريس.
وتحاول إسرائيل توظيف الجريمة لخدمة سياسة الاحتلال والإعدامات الميدانية بزعم أن اعتداءات باريس لا تختلف عن عمليات المقاومة ضد الاحتلال، للوصول إلى وصم المقاومة بـ"الإرهاب"، كمصطلح يحاول نتنياهو من خلاله تمرير سياساته القائمة على إدارة الصراع والتهرب من أي مفاوضات رسمية مع الجانب الفلسطيني. لكن القرار الإسرائيلي والإعلان عنه في هذا التوقيت تحديداً لا يخلو أيضاً من رسائل خطيرة توجهها الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين في الداخل، كجزء من سياسة الترويج "لقيم الحرية المشتركة بين إسرائيل المحتلة وفرنسا الثورة الفرنسية" التي حاول نتنياهو التغني بها. رئيس وزراء الاحتلال، كما يسعى لربط المقاومة بالإرهاب، فإنه يسعى أيضاً لتقديم شيء ما كـ"إنجاز" للرأي العام الإسرائيلي للقول إنه يقوم بخطوات حيال "التحريض" الذي تدعي أجهزة الأمن الإسرائيلية أن الحركة الإسلامية مارسته في نشاطها لمواجهة مخططات التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى. وفي السياق، كان لافتاً أن نتنياهو، لعجزه عن مواجهة الانتفاضة والمقاومين الفلسطينيين، يحاول على الأقل شيطنة الحركات الناشطة في الداخل الفلسطيني، وربط الحركة الإسلامية في الداخل بكل من حركة "حماس" وجماعة الإخوان المسلمين، حتى يضمن صمتاً إسرائيلياً، أن لم يكن تأييداً واستحساناً من جمهور مؤيديه، ومن باقي الأحزاب الصهيونية. وهو ما حدث فعلاً، بالرغم من تحفظات جهاز الاستخبارات العامة "الشاباك" بشأن خطورة هذه الخطوة مستقبلاً على النشاط السياسي في الداخل الفلسطيني لجهة تحوله إلى نشاط تحت الأرض.
ولا تقتصر تداعيات هذا القرار على الحركة الإسلامية في الداخل، بل هو يوحي بخطوات أخرى ضد حركات وأحزاب فلسطينية في الداخل المحتل ونواب فلسطينيين، بتهم التحريض على العنف ورفض استنكار العمليات الفلسطينية، وهما التهمتان اللتان وجههما نتنياهو ووزراء في حكومته للنائبين العربيين في الكنيست باسل غطاس لرفضه استنكار عملية بيت فوريك، والنائبة حنين زعبي لإدلائها بتصريحات حول الحق في مقاومة الاحتلال. وقد سبق هذا التحريض المباشر من نتنياهو إعلان الأخير، خلال خطابه في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، قبل فترة، أن "نواب التجمع الوطني يسيرون فيما ترفع وراءهم رايات داعش".
هذه التصريحات السابقة يتضح اليوم أنها كانت خطوت تمهيدية للإعلان عن قرار حظر نشاط الحركة الإسلامية، وكمقدمة لخطوات ضد باقي الحركات والأحزاب العربية المناهضة لخط "الدولة اليهودية". ويعد قرار الحظر بالنسبة لنتنياهو كإجراء يمكن تسويقه أمام الرأي العام الإسرائيلي أولاً كخطوة "فعلية" ضمن هذا السياق، وأمام الرأي العام العالمي أيضاً باعتبار الخطوة بمثابة دليل على أن إسرائيل تواجه كما الغرب نفس العدو الذي يأتي من "الداخل"، بحسب مزاعم الاحتلال.
ومن الواضح أن القرار يشكل تصعيداً في مواجهة حكومة الكيان الإسرائيلي لحجم وطبيعة وسقف النشاط السياسي للفلسطينيين في الداخل المحتل، لجهة تضييق حيز المناورة المتاح أمام الأحزاب والحركات الفاعلة بموازاة سعي لرسم حدود ضيقة للغاية لهذا النشاط. ويحدث ذلك على أمل دفع الفلسطينيين في الداخل إلى خانة الدفاع عن النفس من تهم "الإرهاب" أو إقامة أي شكل من أشكال العلاقة مع تنظيمات وفصائل فلسطينية، أو الانخراط في نشاطات احتجاجية مؤيدة للانتفاضة، في هذه المرحلة تحديداً، حتى يكون هذا الإعلان نوعاً من الردع لباقي الأحزاب وجمهور الشباب الفلسطيني من مخاطر حتى الإدلاء بتصريح سياسي مناهض أو متجاوز للحدود المرسومة من حكومة الكيان الإسرائيلي نفسه.
أمال. ص

من نفس القسم دولي