دولي

عن المشروع الوطني الفلسطيني

القلم الفلسطيني




لعل من أهم الخلاصات التي انتهى إليها من تابعوا، في اليومين الماضيين، أعمال ندوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، عن "مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني"، أنك تطمئن إلى أن ثمّة نخبة فلسطينية عريضة، مثقفة وذات فاعلية أكاديمية، لديها كل الحرص اللازم لحماية هذا المشروع، وصيانة جوهره من الضمور والانكشاف، وذلك في وقت تغيب فيه المؤسسية الفلسطينية التي يتطلبها هذا الأمر الملحّ، والشديد الوجوب، بالنظر إلى أن النخبة المتحدّث عنها هنا أفراد يعملون، غالباً، في التعليم الجامعي والإعلام والبحث، فيما تستوجب هذه المهمة الفلسطينية كيانيةً حيويةً وجامعة، وتمثيلية للشعب في مختلف خرائط وجوده، في الوطن والشتات. ويُضمر التصريح بهذا التعيين تأشيراً إلى أن منظمة التحرير في راهنها لم تعد مؤهلة لهذا الدور، وهي التي كانت العنوان الأول والأوضح له. لم تكن الندوة سياسية، بحيث تنشغل الأوراق والمداخلات فيها بهجاء منظمة التحرير، أو تدعو إلى إزاحة هذه المؤسسة الشائخة، والتي ترددت في العقد الأخير مطالبات إلى إصلاحها وإعادة بنائها وانتشالها من البيات الذي تقيم فيه. ولم يكن الباحثون والدارسون الذين شاركوا في الندوة دعاة سياسيين، ولا ناشطين حزبيين، حتى يطالبوا المنظمة وفصائلها والقوى الحية في الشعب الفلسطيني بما عليها القيام به، وإنما ذهبت دراساتهم إلى تشريح الحال الفلسطيني العام وتوصيفه، بعيداً عن أي منظورات أيدولوجية وسياسوية، اتصالاً بموضوعة المشروع الوطني، فأمكن بذلك الوقوع على مسافةٍ شاسعة بين عقلين فلسطينيين، في الراهن العام، عقل يفكّر، بمقادير ظاهرة من الحذاقة والرؤية التحليلية الكاشفة، وعقل سياسي نافذ، مرتهن لتفاصيل آنية، مثقل بهزيمة مديدة ومواريث من الخيبات، يواصل اختبار أوهام خياراته في المفاوضات مرّة، وفي وقفها مرات، وفي التعويل على قوى الخارج.
ولكن، ماذا يعني الإجماع العام في ندوة أكاديمية واسعة على أن مأزق الراهن الفلسطيني مركّب، ويصيب المفاوضات التي لم تحقق أهدافها منذ "مدريد" و"أوسلو"، كما يصيب المقاومة، وهي تكاد تتحول إلى دفاعٍ عن وجودها، ويصيب (أو يضرب على الأصح) الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية. ولأن الأمر في واحدةٍ من زوايا النظر إليه هو على هذه الصورة، كان محموداً تخصيص أوراق في الندوة عن الحركات الشبابية والطلابية الفلسطينية، وكان لافتاً أن تأتي مداخلات عديدة على الدور الممكن (والمرتقب على الأغلب) لشباب الهبّة الفلسطينية الحالية، والذين تنطوي تسميتهم "جيل ما بعد أوسلو" على انتقاد واضح للاتفاق الشهير، والذي يعد من أهم المنعطفات التي أودت بالمشروع الوطني الفلسطيني إلى ما فيه من تشوش وانحسار، إلى الحد الذي صار فيه وجيهاً السؤال عمّا إذا كان هناك، في اللحظة الراهنة، هذا المشروع حقاً، أم أن الحديث عنه يعكس نوعاً من النوستالجيا التي تذهب إلى أزمنة مضت، كان فيه هذا المشروع مشهراً ومكتمل المضامين وواضح الوجهة، إبّان كانت الحركة الوطنية الفلسطينية حركة تحرّر وطني، وكان الكفاح المسلح من مكونات هذا المشروع، كما أوضح الدكتور عزمي بشارة، في محاضرته الافتتاحية للندوة، وأضاء فيها، تحليلياً، على مسار المشروع الوطني الفلسطيني، وصولاً إلى مهمات ملحة راهنة، طرحتها المحاضرة. ولأن الموضوع متصل حكماً بالعناوين الأساسية للقضية الفلسطينية عموماً، كان مهماً في ندوة المركز العربي أنها جاءت على موضوعات اللاجئين والقدس والتوسع الاستيطاني، باعتبارها تحديات ماثلة، لم تحسم شيئاً منها مفاوضات خمسة وعشرين عاماً مضت. وكان الاتفاق ملحوظاً في الندوة على قصور الأداء الرسمي الفلسطيني في خصوص هذه القضايا، وهو قصور مرتبط عموماً بالفشل العام الذي تقيم فيه الخيارات السياسية الفلسطينية الرسمية، ما جعل سؤال ما العمل ضاغطاً، وربما مربكاً، في جلسات الندوة، وهو مفتوح على زوبعةٍ من الإجابات في زمن عربي شديد التعاسة، يذهب من المتاهة إلى حيث لا نعرف من متاهاتٍ لم تبدأ بعد.

معن البياري

من نفس القسم دولي