دولي

بكائية سياسية ومحاولات تهديد فاشلة

القلم الفلسطيني


ذهبت الوعود التي أطلقها مسؤولون فلسطينيون بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيفجّر قنبلة في الأمم المتحدة أدراج الرياح، بعدما تبيّن أن كل خطاب عباس يقوم على البكائية السياسية ومحاولات استدراج حلول سياسية في هذا الوقت الصعب. يركّز محمود عباس في خطابه على العنف الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني وعلى تنامي الاستيطان، وتنصّل الاحتلال من اتفاقيات التسوية، وصمت المجتمع الدولي، وتعثّر إعلان وقيام دولة فلسطينية، ويحمّل المسؤولية عن ذلك للحكومات الإسرائيلية ولرعاة التسوية ومنهم الأمم المتحدة. بشكل عام، توصيف أبو مازن للمشكلة صحيح إلى حدّ كبير.. لا مشكلة مع محمود عباس –في الأغلب-حول ذلك. المشكلة مع محمود عباس في كيفية التعامل مع هذا العنف الإسرائيلي، وفي تقييم الواقع الفلسطيني، وفي غياب الرؤية الاستراتيجية السليمة التي يجب أن تحكم كامل مسار القضية الفلسطينية. أو بعبارة أدق: كيف نردّ على سياسة الإرهاب الصهيونية، وكيف نتصدى لممارسات الاحتلال ومستوطنيه، وكيف نحصل على حقوقنا الثابتة، وكيف نجبر المجتمع الدولي على تنفيذ التزاماته.
أبو مازن استند في خطابه إلى حلّ يقوم على قاعدتين: توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني –وهذا الطلب كرّره عباس خمس مرات في خطابه-، وإجبار الاحتلال على الدخول في مفاوضات للالتزام بالاتفاقيات الموقعة ولتنفيذ باقي بنودها، وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية.
هذا صلب ما جاء في خطاب عباس، وهو يتجاهل هنا الرؤية الفلسطينية، وتغيب عنده عوامل قوة المجتمع الفلسطيني، ويتجاهل بالكامل حق الشعب في الدفاع عن نفسه، والحق المشروع في المقاومة، وهاتان القاعدتان هما جزء من ثقافة وأسس الأمم المتحدة والقوانين الدولية التي يعلن تمسّكه بها. هنا تغيب الرؤية عند عباس، هو بانتظار ضغط دولي على الحكومة الإسرائيلية التي يقول هو إنها تنصلت من المفاوضات منذ عام 1995.
نقطة ثانية جاءت في صلب خطاب عباس، وهي إعلانه أنه "لا يمكننا الاستمرار في الاتفاقيات إذا بقي الاحتلال مصراً على عدم الالتزام بها".
في القراءة العامة، هذه هي القنبلة التي هدّدوا بها.. عباس يحاول أن يبلّغ العالم من على أهم منبر دولي أنه متنصل من الاتفاقيات، كرد فعل على المواقف الإسرائيلية. هنا نرجع لنفس القاعدة: غياب الرؤية والتعامل بردود فعل، لا نلتزم بالاتفاقيات كرد فعل على الاحتلال. الدليل على ذلك مناقشة "قنبلة" أبو مازن السياسية: هل أوقفت السلطة منذ 30 أيلول/سبتمبر الحالي (تاريخ إلقاء الخطاب) التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال؟! هل هناك قرارات ستصدر عن موقعي الرئاسة والحكومة الفلسطينية لتنفيذ وقف الالتزام بالاتفاقيات؟! هل تجميد الالتزام بالاتفاقيات يشمل المستقبل فقط، أو هذا القرار له مفعول رجعي؟! هل هذا القرار يشمل حلّ السلطة، ووقف التنسيق الأمني، وتجميد عمل لجان الارتباط المشتركة والإدارة المدنية؟! هل هذا التجميد يشمل الاتفاقيات الاقتصادية واتفاقية باريس؟! هل جمّد أبو مازن الاعتراف بالاحتلال طالما أنه جمّد الالتزام بالاتفاقيات؟! كيف سيعود أبو مازن عن هذا التجميد، ومتى سيعيد العمل بهذه الاتفاقيات، وما هي شروطه للاحتلال ليرفع التجميد؟!
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تُظهر مدى جدية أو منطقية أبو مازن في دعوته. المشكلة أن الكيان الصهيوني قابل تهديدات عباس باستهزاء، والمجتمع الفلسطيني لم يصدّقه، والمجتمع الدولي لم يكترث. المؤسف أن أبو مازن ما زال يتجه للكيان الصهيوني والمجتمع الدولي لحلّ القضية الفلسطينية. لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، وللحصول على الحقوق، هناك طريق واحد: العودة للشعب الفلسطيني، وإجراء مصالحة حقيقية، وتبنّي مشروع المقاومة، وتشكيل قيادة فلسطينية موحدة، وسحب الاعتراف بالاحتلال، وإلغاء اتفاقيات التسوية، ووقف التنسيق الأمني.



رأفت مرّة

من نفس القسم دولي