دولي

أين "القوميون العرب" من التحالف السيساوي "الإسرائيلي"؟

القلم الفلسطيني


"قوميون عرب"، أو هكذا يصفون أنفسهم، رحّبوا بالانقلاب على الديمقراطية في مصر. خلعوا على السيسي ما خلعوا من الألقاب، وكلّها تدور حول لقب الألقاب: مجددّ القومية العربية وباعث عزّ العرب. رفعوا صورته إلى جانب صورة عبد الناصر، وجاؤوا بابن الأخير؛ عبد الحكيم، ليصرخ في محافلهم: "أجد في السيسي روح أبي".
تعاموا، في لحظة تخلٍّ، عن احتفالات تجري في الكيان الصهيوني بهذا الجنرال الذي لم يخض حرباً. كان الجنرال الصهيوني رؤفين بيدهتسور يصرّح "إن تورط الجيش المصري في السياسة على هذا النحو سيضمن استمرار تفوقنا النوعي والكاسح على العرب لسنين طويلة"، فتسمع صدى كلماته في صوت القيادي القومي عبد الحليم قنديل يدعو السيسي إلى ذبح معارضيه. وبينما كان المعلق في القناة الثانية الإسرائيلية أودي سيغل يقول "إن نتنياهو أكثر الناس سعادة على وجه الأرض (بنجاح الانقلاب)"، كان القومي الآخر مصطفى بكري يردد بأن التاريخ سيخلّد السيسي. أما القومي الناصري عمرو ناصف فقد كان يستضيف كل مؤيدي السيسي وانقلابه.
عند هذا الحدّ، قد يُقال أن ما تفوّهت به الصحافة الإسرائيلية والمسؤولون الصهاينة لا يعدو أن يكون تقاطع مصالح اقتضت إزاحة الإخوان. ربما، لكن الأفعال كانت أقوى من كل الكلمات.
في الأيام الأولى للانقلاب العسكري، يشرع نظام السيسي الجديد بتدمير الأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء، ليدمّر ما يزيد عن ألفي نفق حتى اليوم. تلك الأنفاق، ومع إغلاق معبر رفح من قبل النظام المصري، هي الرئة الوحيدة التي يتنفس منها أبناء قطاع غزة. وبعض الأنفاق كان قد حُفر بُعيد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني. لم يتوقف تهليل القوميين للنظام العسكري.
لم يكتف السيسي بذلك، بل ليبعث رسائل طمأنة للغرب، وتكريساً لشرعية خارجية، يفتقدها في الداخل، شرع في بناء جدار حول قطاع غزة، متأسياً بالجدار الفاصل الذي يقطّع أوصال الضفة الغربية. صمت القوميون. قرر السيسي إقامة شريط عازل بين غزة وسيناء بعرض من 1-3 كلم، وبطول حوالي 14 كلم. وأزال معظم مدينة رفح المصرية، وحوالي 1000 بيت من المدينة، دون التفات للجوانب الاجتماعية السلبية لعمليات التهجير. كان الهدف الوطني المصري تاريخياً توطين مزيد من المصريين في سيناء منذ كتب الرئيس المصري المنتخب محمد نجيب كتابه عن الموضوع في الثلاثينيات من القرن الماضي، فأصبح مع الحكم الجديد تهجير من تبقى من سيناء هدفاً. صمت القوميون. أدرجت محكمة مصرية، كتائب عز الدين القسام على لائحة الإرهاب، وذلك بعد أشهر من قصف الكتائب لمدينة تل أبيب، ومعظم المدن الفلسطينية المحتلة. وبعد شهر كان إدراج المحاكم المصرية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على لائحة الإرهاب. صمت القوميون. خلال العدوان على غزة، في خريف عام 2012، أمر الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، بسحب السفير المصري من الكيان الصهيوني، رداً على جرائم الاحتلال. وبعد عام على الانقلاب، قرر السيسي تعيين سفير لمصر في الكيان الصهيوني هو السفير حازم خيرت. صمت القوميون. كانت الضغوط الدولية على حركة (حماس) تتفاقم لدفعها للقبول بالمقترحات الدولية لوقف مقاومتها، آثرت السلطات المصرية أن ترفع من ضغوطها هي الأخرى، فاختطفت أربعة ممن تقول إنهم ينتسبون لـ"كتائب القسام"، وقد كانوا في طريق عودتهم من أداء العمرة. صمت القوميون. وبعد التيقن من رفض (حماس) النهائي للمقترحات، ازدادت الضغوط. (إسرائيل) تتشدد في إجراءاتها ضد القطاع، سلطة رام الله تضاعف من عمليات قمعها لمناصري (حماس) في الضفة، وتوقف دعم مشافٍ ومحطات للكهرباء في غزة. لكن السلطات المصرية اتخذت الإجراء الأقسى حين قامت بحفر قناة مياه فاصلة بين غزة وسيناء، بطول 13 كلم، وعرض 50 م، وعمق 20 م، ولها أضرار اجتماعية واقتصادية جسيمة. صمت القوميون.
يذهب كثير إلى تفسير سلوك أكثرية القوميين إلى أنهم ما يزالون أسرى صراعهم التاريخي مع الإخوان، ولم يستطيعوا أن يغادروا هذه الدائرة المسيطرة على تفكيرهم وسلوكهم. لكن يردّ آخرون بأن القمع السيساوي الحالي طال بعض مؤيدي الانقلاب من القوميين وآخرهم عبد الحليم قنديل، ومع ذلك صمت القوميون. لذلك فإن البعض يؤكد أن كثيراً من القوميين لا ينطلقون في آرائهم المعلنة من منطلقات أيديولوجية كما يتوهّم البعض، بل إنهم، خلال العقود الماضية، استطاعت سلطات كثيرة، ومنها السلطات المصرية، أن تستميلهم، سواء بسيف المعزّ أو بذهبه (مصطفى بكري نموذجاً). كما أن دولاً فتحت لهم منابر إعلامية، وأمّنت لهم وظائف، فهم ينطقون بحرف عربي، لكن بلغة أخرى. قد يرى بعض آخر أن القوميين العرب عاشوا وترعرعوا في ظل حكم عسكري، ولم يصلوا إلى حكم إلا بانقلاب عسكري؛ عبد الناصر (1952)، البعث بشقية السوري والعراقي (1963)، القذافي (1969)، لذلك فهم في صراع تكوينيّ مع الديمقراطية، وفي تأييد تلقائي للانقلابات العسكرية، وهذا سرّ من أسرار تأييدهم للسيسي، أو على الأقل صمتهم عن جرائمه في الداخل المصري، وضد المقاومة الفلسطينية.

أحمد الحاج

من نفس القسم دولي