دولي

عن الهدنة مع (إسرائيل) وفصل الضفة عن القطاع

القلم الفلسطيني

 

ظهر أن ثمة ميلا لدى الأطراف الفاعلة في ملف قطاع غزة، للسير باتجاه هدنة طويلة المدى، أو على الأقل السير باتجاه استكشاف الإمكانات الحقيقية لتنفيذها.

غير أن هذه الأطراف تختلف في زوايا نظرها ومعاييرها واشتراطاتها وطرق ضمان مصالحها. فلحماس وقوى المقاومة مقاربتهم، ولقيادة السلطة في رام الله مقاربتها، وللإسرائيليين ومن خلفهم الأميركيون رؤيتهم، ولمصر زاوية نظرها، وللأوروبيين وجهة نظرهم. ولذلك، فإذا كان ثمة توافق باتجاه الفكرة، وشعور بأن "اللعبة" قد بلغت مداها، وأنه ليس ثمة أوراق جديدة يمكن توظيفها، وأن الجميع سيخسرون (أو قد يخسرون) من إطالة أمد الحصار والحرب والدمار.. فما زال هناك شوط طويل في تحديد الأثمان التي سيضطر كل طرف لدفعها للوصول إلى توافق يؤدي للهدنة المنشودة. وقد اتخذت فكرة الهدنة الطويلة المدى بين الكيان الإسرائيلي وبين قوى المقاومة (وخصوصا حماس) في قطاع غزة شكلا أكثر جدية في الأسابيع الماضية. وظهرت معالم الفكرة بشكل أكثر وضوحا عندما دعا روبرت سيري، مبعوث الأمم المتحدة المنتهية ولايته، إلى تبني إستراتيجية "غزة أولا"، وتتضمن فكرة هدنة بين "إسرائيل" وبين الفصائل الفلسطينية مدة خمس سنوات، وأن تكون الهدنة تحت مظلة حكومة التوافق الوطني، ويتم خلالها رفع الحصار كليا عن قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وتجميد النشاط العسكري للمقاومة فوق الأرض وتحت الأرض. اللافت للنظر أن سيري لم يطرح مشروعه إلا بعد انتهاء ولايته، مما أعطى مؤشرا سلبيا على فقدان المشروع جانبا من جديته ومصداقيته. أما توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية طوال السنوات الثماني الماضية، فقد برز هو الآخر في الأيام الأخيرة قبيل انتهاء ولايته، ليتحدث عن ضرورة وضع حد ونهاية لمعاناة قطاع غزة. وأعلن بعد زيارة القطاع أنه متحمس لرؤية الأوضاع تتغير. أما المؤشرات العامة لخطته فتتحدث عن تنازلات إسرائيلية (وكأن الطرف الإسرائيلي يقتطع جانبا من حقوقه!) وعن فتح معابر القطاع، وعن حالة وحدة فلسطينية تشجع "عملية السلام". وتابع بلير نشاطه فالتقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، معبرا عن ضرورة فك الحصار عن القطاع، وعن ضرورة عدم تجاوز حركة حماس والتعامل الأوروبي المباشر العلني معها. ليس من الواضح تماما ما إذا كانت مبادرتا سيري وبلير تظهران وكأنهما "صحوة ضمير" متأخرة، أو أن الظروف نضجت بما يكفي ليطرحا ما لديهما بصراحة، أو أنهما يلعبان دورا حان وقته في المنظومة الأوروبية العالمية لترتيبات نهائية أو شبه نهائية لملف قطاع غزة. غير أنه من المؤكد أن هناك نشاطا أوروبيا متزايدا في الأشهر الأخيرة يحاول تقديم مقاربة مقبولة (من جميع الأطراف) لفك الحصار وبدء الإعمار. وينشط السويسريون والدول الإسكندنافية في هذا المضمار، كما أن لتوني بلير علاقاته الخاصة مع السلطات البريطانية والأميركية. ويظهر أن قطر وتركيا، المتفهمتين لموقف حماس والداعمتين بقوة لفك الحصار وتنفيذ الإعمار، قد قدمتا مقترحات لرفع الحصار مقابل هدنة طويلة الأمد. وبالنسبة لحماس ومعها قوى المقاومة في القطاع، فإنها ترى أن فك الحصار وعملية الإعمار هي حق طبيعي، وأن الحصار بحد ذاته هو جريمة ضد الإنسانية، ويخالف الأعراف والقوانين الدولية، وأنه لا ينبغي ربطه بنزع سلاح المقاومة. وفي الوقت نفسه، تدرك المقاومة حاجة أبناء القطاع لاسترداد أنفاسهم وإتاحة المجال للإعمار، في ضوء حالة الإنهاك التي وصل إليها القطاع بعد ثماني سنوات من الحصار، وبعد ثلاثة حروب مدمرة، وكذلك حاجة قوى المقاومة لاستراحة تعبوية تجدد فيها إمكاناتها وقدراتها. غير أن حماس في الوقت نفسه تتعامل مع عروض الهدنة بالكثير من التشكك والحذر، خصوصا أن الحروب السابقة أعقبتها وعود والتزامات بفك الحصار وبالإعمار. وهي وعود لم تتم، ونكث الطرف الإسرائيلي بالذات تعهداته تجاهها. أكدت حماس أن أطرافا غربية سلمتها اقتراحات لهدنة طويلة المدى وأنها تقوم بدراستها.. والمطلع على ردود حماس وتعليقاتها بهذا الشأن، والتي جاءت على ألسنة عدد من قادتها وناطقيها السياسيين والإعلاميين أمثال إسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق وعزت الرشق وأسامة حمدان وسامي أبو زهري وفوزي برهوم وصلاح البردويل وطاهر النونو وإسماعيل رضوان. يلاحظ أن موقف حماس يتلخص في: وجوب وجود ضمانات تلزم "إسرائيل" بفك الحصار، ووقف اعتداءاتها. أن تكون التهدئة الطويلة المدى ضمن حالة توافق وطني، وخصوصا بين فصائل المقاومة في قطاع غزة. ألا تكون التهدئة على حساب تفرد "إسرائيل" بالضفة الغربية، وألا تؤدي بأي شكل لفصل الضفة عن القطاع. أبو مازن الذي يرأس منظمة التحرير كما يرأس السلطة الفلسطينية وحركة فتح ويوجّه حكومة التوافق الوطني؛ تحدث بلغة اتهامية متشككة تجاه حماس وعروض الهدنة الطويلة المدى والتواصل الأوروبي معها.

د. محسن صالح

من نفس القسم دولي