دولي

المفاوضات من أجل فك المقاطعة الدولية

توالت التصريحات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، التي تدعو القيادة الفلسطينية إلى العودة للمفاوضات من جديد، فبعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ادعى أنه مستعد لاستئناف المفاوضات، دعا نائبه سيلفان شالوم القيادة الفلسطينية إلى العودة للمفاوضات دون شروط مسبقة. وقد سبق لنتنياهو أن أعلن أن "حل الدولتين انتهى"، وهو الأمر الذي أثار غضب باراك أوباما عقب الانتخابات الإسرائيلية. والجدير بالذكر أنه منذ تولي نتنياهو الحكم عام 2009م دخلت مسيرة السلام في مأزق أشد عمقاً من سابقيه، حيث صرّح أنه مستعد للتفاوض مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة أو جدول زمني محدد، معتبراً الضفة الغربية منطقة مختلفاً عليها، وليست أرضاً محتلّة، ما دفع رئيس السلطة محمود عباس للتوجه للأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية فيها. غير أن التلويح باستخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن دفعه إلى التوجه للجمعية العمومية للحصول على مكانة دولة مراقب. من الواضح أن دولة الاحتلال الإسرائيلية لا يوجد لديها أي توجه للسلام ولو كانت تريد السلام لحققته قبل ثلاثين عاماً، بل تستغل الوقت بالمماطلة وتعمل على توسيع المشروع الاستيطاني والتهويدي، والمطلوب من السلطة الفلسطينية المفاوضة أن تنصاع للإملاءات الإسرائيلية الأمريكية، كما تعودت سابقًا, بتقديم المزيد من التنازلات السياسية والأمنية والجغرافية، وإن كانت غير مقصرة في هذا الشأن، فهي تربط وقف الاستيطان وعودة الأسرى بالرجوع إلى طاولة المفاوضات، ليس من باب "لي الذراع"، فهذا شيء معروف لدى الجميع أنها "تكابر" بهذه الشروط، وتعتبره كنوع من الإنجاز السياسي لها على طريقتها القديمة التي أصبحت منكشفة لدى الاحتلال، وبل تزيده إصرارًا على شروطه وتصلبًا في مواقفه، مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية لإضعاف موقفها لتقديم تنازلات أكثر فأكثر، وتشمل الدولة في التصور الفلسطيني فضلاً عن شرقي القدس الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إمكانية تواصلها مع العالم الخارجي عبر الموانئ والمطارات والمنافذ البرية، لا بأس، لكن ماذا عن القضايا المهمة الأخرى وعلى رأسها اللاجئون والأسرى والمياه والحدود والمعابر والحواجز والمستوطنات والتسلح فيما يختص بتكوين جيش مسلح لهذه الدولة الوليدة؟، لم تكن مذكورة على جدول أعمال هذه المفاوضات, وما إذا كانت هذه القضايا ستدخل ضمن إطار مفاوضات قضايا الحل النهائي بشأن الدولة أم لا؟!, لأن دولة الاحتلال ترفض التعامل مع هذه القضايا جملة وتفصيلاً، فإذا ما ركزنا على أهم هذه القضايا وهي الحدود, نجد أنها ترفض منذ اتفاقية "أوسلو" الإعلان بصراحة وبدقة عن مساحة الأراضي التي ستتركها للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها. وهذا ينقلنا مباشرة إلى طرح السؤال التالي: هل يمكن أن تحقق المفاوضات المباشرة وغير المباشرة ما عجزت "أوسلو" وغيرها عن تحقيقه؟!. فيجب ألا نرجع إلى المربع الأول للمزيد من التنازلات ومزيد من المماطلات لسنوات قادمة أخرى قد تطول، فنخوض مفاوضات "عنترية" نتيجتها معروفة مسبقاً، وأن ندرك أن المجرَّب لا يجرَّب بعد أن لُدغ من الجحر ذاته ألف مرة ومرة. فقد جرّبنا المفاوضات مع الكيان الصهيوني سنين طويلة، كانت خلالها الأرض تُقضم والقدس تُهوّد، والشعب الفلسطيني يذبح ويحاصر ويشتت ويفتت، وجربنا التدخل الأمريكي وتسليم مفاتيح الأمر له، وهو الذي يشد على يد دولة الاحتلال بتقديم الدعم المادي والعسكري المطلق لها، فالإدارة الأمريكية ومواطنوها يساهمون في تمويل الاستيطان، وبناء جدار الفصل العنصري والحصار وتطوير القدرة العسكرية النووية وغير النووية، بما لا يتطرق إليه شك أو ريب من أن يؤدي الأمر إلى فشل المفاوضات بسبب الفارق الواضح في ميزان القوة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. أقول: إن الدعوات الإسرائيلية محاولة منها لمواجهة العزلة الدولية ولتجميل صورتها المشوهة بأنها دولة ديمقراطية، وقد بدأت تضيق الخناق حول رقبة الاحتلال بإلغاء كثير من عقود الشركات الدولية الخاصة والعامة التي عقدتها معه، وقد بات هذا يشكل تهديدًا مباشرًا على اقتصاده وعلاقاته الدولية ما يشبه دولة جنوب أفريقيا زمن الفصل العنصري، ويجب أن نكون أكثر يقظة، حتى لا تُسوق (إسرائيل) نفسها بأنها داعية للسلام فيما الفلسطينيون يرفضونها.


د. أيمن أبو ناهية

 

من نفس القسم دولي