دولي
المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم .. تعقيب على ردود (2)
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 جوان 2020
... تابع
الشكر موصول للزميل سمير الزبن الذي فتح المجال لنقاش أوسع في مجموعة من الأفكار الرئيسة، على الرغم من أنه قد اختار أن يتعامل مع المقالة بشكل مجتزأ، فينتقي نصاً ويعزله عن سياقه، إلى حدٍّ توهمت فيه أنه يعقّب على نص آخر لا علاقة لي به. في بداية مقالته، يتساءل الزبن بدهشةٍ لافتةٍ عمّا إذا كان ثمة مشروع قومي عربي اليوم، مؤكّداً عدم حاجته إلى خوض نقاش لإثبات عدم وجوده، ومعرباً عن شعوره بالإحباط لأنه "إذا كان الطاهر مقتنعاً بما كتبه من وجود مشروع عربي اليوم، فهو يدعونا، نحن غير المقتنعين بوجوده، إلى أن نرى فشل المشروع الوطني المقاوم الذي يدعو إليه قبل أن يبدأ".
لا أعرف من أين جاء الزبن بهذا الكلام، إذ لم تتطرّق مقالتي إلى مسألة وجود مثل هذا المشروع الآن، واقتصرت على ذكر التأثير المتبادل، منذ النكبة، ما بين القضية الفلسطينية والأنظمة العربية. ولاحظت في المرحلة الحالية ارتباكاً في دور الأنظمة العربية، وضعف قدرتها على التأثير في مجريات الوضع الفلسطيني، وهذا قد يساعد في تشكّل مشروع وطني فلسطيني بعيداً عن الوصاية العربية.
هل يجب علينا تقديم حلول الآن؟
مسألة تقديم حل للقضية الفلسطينية تؤرق الزبن، وتكاد بصيغة أو بأخرى تحتل قسماً كبيراً من تعقيبه، ليصل بعد نقاش مستفيض إلى أنّ حل الدولتين ما زال هو الحل الممكن، على الرغم من العثرات التي تعرّض لها. مطالباً بقراءة مختلفة تأخذ متغيّرات الواقع بالاعتبار، معترضاً على قولي إنّه ليس على الضحية أن تقدّم حلاً للجلاد، وإنّ الحل النهائي لن يستقيم إلّا بدحر الاحتلال، وتفكيك نظام الأبارتهايد الصهيوني، وتأكيد حق العودة، معتبراً أنّ هذا النص "يريد أن يقول كل شيء، من دون أن يقول شيئاً"، فالكاتب المعقّب يرى أنّ رؤية الحقوق الوطنية تكون في ظل المعطيات القائمة، ولذا اختار حل الدولتين باعتباره الحل الممكن.
الفارق بين النظرتين عميق وجوهري، ليس من باب الموافقة على حل الدولتين، أو تبنّي حل الدولة الواحدة، أو الدولة ثنائية القومية أو غيرها، الفارق الجوهري أننا لا نرى أنّ الوقت وقت تقديم اقتراحات بالحلول، أو السعي إليها، والتفاوض حولها، الوقت كله يجب أن يكون مكرساً للعمل على مراكمة النضال باتجاهاته المختلفة، من أجل تغيير الواقع، وليس قبوله والاستسلام له. أما صيغة الحل النهائي، فسوف تحدّدها مسيرة النضال ذاتها، ويصعب التنبؤ بإحداها الآن. ومن هنا، تحدثت عن شعار دحر الاحتلال باعتباره يطلق جميع الطاقات لمقاومة الاحتلال، ويوحّد الجهد الوطني، حتى مع الذين ما زالوا يؤمنون بحل الدولتين، ويعيد المسألة إلى أنّ هذه الأرض ما زالت محتلة، وليست أرضاً متنازعاً عليها، أو محلاً للتفاوض.
الرواية التاريخية الفلسطينية
قلت بالتمسك بالرواية التاريخية الفلسطينية، باعتبارها من سمات المشروع الوطني الفلسطيني، كما الحال بالنسبة إلى الميثاق الوطني، من دون أن ألتفت إلى من تمسّك بهذه الرواية أو فارقها، لعدم صلة ذلك بموضوع المقالة الرئيس. يعلّق الزبن على ذلك بأنه لا يعرف أحداً يدعو إلى التخلي عن الرواية الفلسطينية، "حتى أكثر الناس انحيازاً لخط المفاوضات، وتقديم تنازلات"، وكأنّ التمسّك بالرواية التاريخية الفلسطينية يشكّل نقطة إجماع بين مقدّمي التنازلات ورافضيها، من دون أن يفسّر كيف يمكن تقديم التنازلات مع التمسّك بروايتنا التاريخية، خصوصاً عند الاعتراف ليس بإسرائيل فحسب، بل بحقها في الوجود، فهل هذا الحقّ يندرج ضمن الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني؟ وما هذا إلّا غيض من فيض التنازلات التي قصّرت عن إدراك الفكرة الصهيونية المتمسكة بروايتها على أنقاض روايتنا.
وضمن المنطق ذاته، يتساءل الزبن عن الثوابت التي أعنيها في بنود الميثاق الوطني، مسترسلاً في تعداد بنوده، متسائلاً عمّا سنتمسّك به من الميثاق. لا أعلم ما الفائدة من التشكيك في صلاحية بنود الميثاق؟ ولماذا يصرّ على الوقوف إلى يمين أولئك الذين عدّلوا بنود الميثاق في غزة، عام 1996، وهم يقولون إنه لم يُعدَّل أيٌّ من بنوده، زاعمين أنه في الاجتماع المشار إليه أُحيل هذا الموضوع على لجنة لدراسته، ولم تنعقد تلك اللجنة. وعليه، فإنّ الميثاق ما زال كما هو. ماذا نستفيد من إثارة هذا النقاش حول صلاحية بنود الميثاق؟ وهل يخدم مشروعاً نضالياً، أم يقدّم تنازلات إضافية ضمن تأهيل "الفلسطيني الصالح"، المتوافق مع سياسة الحلول الممكنة، وفق معطيات الواقع الحالي المفروض علينا؟
منظمة التحرير
يعترض الزبن على دعوتي إلى حوار وطني شامل لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وطلبي من أبناء حركة فتح، وفصائل المنظمة، وتحديداً الجبهتين، الشعبية والديمقراطية، المبادرة إلى نزع ورقة التوت التي يتستر بها القابضون على مقدّرات منظمة التحرير. أما وجه احتجاجه، فهو أنّ ذلك يعني "الاستعانة والاعتماد أساساً على القوى السياسية التي قادت المسار الفلسطيني خلال العقود المنصرمة، وأودت بنا إلى ما وصلنا إليه"، وهي "قوى لم تعد تملك أي نفوذ أساساً في الأوساط الفلسطينية"، و"الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية فصيلان بائدان، لم يعودا موجودين في الواقع الفلسطيني منذ عقود، وهما مندمجان في اتفاق أوسلو"، وكوادر حركة فتح "ليست أحسن حالاً من الجبهتين"؛ القوى السياسية الفلسطينية القائمة اليوم، هي "جزء من الأزمة، وليست جزءاً من الحل في أي مشروع وطني فلسطيني جديد".
هنا ينتقل موقف الزبن من موقف الموافق على الحلول الواقعية إلى موقف ثوري رافض والذين شاركوا فيه، داعياً إلى الانقلاب على الفصائل التي باتت جزءاً من المشكلة، مستهجناً مناشدتي السابقة لهم، ومتناسياً ما أشرت إليه أن تحقيق ذلك يتطلب قوة شعبية كبيرة وضاغطة، ودعوتي إلى عقد مؤتمرات شعبية واسعة، وانتخابات لاختار أعضاء المجلس الوطني، بعيداً عن المحاصصة الفصائلية، لإيجاد قوةٍ تمثيليةٍ كبيرة تستطيع أن تفرض إعادة بناء منظمة التحرير كياناً وطنياً معنوياً وتمثيلياً للشعب الفلسطيني.
وهنا يتساءل الزبن عن كيفية المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني في الخارج وفي الوطن كله، وكيفية إقامة "روابط الوحدة بين هذا الشتات الفلسطيني، وعلى خلاف السلطات التي تخضع لها التجمعات الفلسطينية"، متناسياً مرة أخرى أنّ منظمة التحرير تمكّنت سابقاً من تحقيق ذلك، وأنّ ما مزّق هذه الوحدة كان اتفاق أوسلو، وكانت الحلول الواقعية، وهي حلول متوهمة لجزء من الشعب الفلسطيني، ولا تأخذ بالاعتبار مصالح الشتات وفلسطينيي 1948، وأنّ إعادة وحدة الشعب الفلسطيني تكون عبر فصل المنظمة عن السلطة الفلسطينية، واعتبارها القيادة السياسية للشعب الفلسطيني المنخرط بأسره في برنامج نضالي موحّد، يشكّل النضال ضد نظام الأبارتهايد الصهيوني حلقته المركزية.