دولي

عندما يتخوّف إسرائيليون من ضم أراضٍ فلسطينية

كشفت أحدث الاستطلاعات في المجتمع الإسرائيلي اليهودي أن أكثر من نصفهم يؤيدون ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، إلا أن هناك شريحة ترفضه وتخشاه كثيراً، وإن لم تكن كبيرة، أغلبيتها من اليسار الصهيوني، سواء حزب ميرتس أو ما تبقى من حزب العمل، كما مجموعات يهودية معظمها غربية اشكنازية تحارب فكرة الضم بشكل قوي، إذ ترى فيه تهديداً استراتيجياً لبقاء المشروع الصهيوني، المبني على أكثرية يهودية في دولة إسرائيل. وعموماً، يجرى هذا النقاش في المجتمع الإسرائيلي، بعد قناعة الأغلبية بانتهاء حل الدولتين، باستثناء مجموعة صغيرة جداً ما زالت تؤمن بإمكانية الوصول إلى هذا الحل، لما فيه من مصلحة صهيونية عليا، فيما يرفض النظام السياسي الصهيوني نقاش حل الدولة الواحدة. وقد شكل كابوس حل الدولة الواحدة، وفقدان إسرائيل الأغلبية اليهودية، أساس النقاش العام الداعم باتجاه عدم الضم مع الإبقاء على الوضع الحالي، مع استمرار الاستيطان ومصادرة الأراضي وتطويق التجمعات الفلسطينية، بعد قناعة كثيرين باستحالة أي حلول سياسية بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية.

لم تكن الحقوق الوطنية الفلسطينية جزءاً من محدّدات تلك الشريحة الإسرائيلية التي ترفض مشروع ضم أراضٍ من الضفة الغربية، ولا تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني المظلوم، وغابت المصالح الوطنية والسياسية والاقتصادية الفلسطينية عنها. ولم يكن موقفها هذا نتاج إقرار بالحقوق السياسية والوطنية للشعب العربي الفلسطيني، ولا إقراراً بأن المناطق المخطط ضمها جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة الواجب إعادتها للشعب الفلسطيني لإقامة كيانه السياسي عليها، وليستفيد من خيراتها وثرواتها، حيث تضم أغلبية ثروات الضفة الفلسطينية، من أراضٍ زراعية تشكل سلة الغذاء للفلسطينيين، والمخزون الأكبر للمياه الفلسطينية، والصخور الفلسطينية، إنما يصدر هذا الرفض عن مصالح أخرى، مرتبطة بالمشروع الاستعماري الصهيوني الاستعلائي العنصري.

ويرى الرافضون الإسرائيليون مشروع الضم أنه سينهى فعلاً أي احتمال للاستمرار في المرحلة الحالية، وينهي التسويف والمماطلة وإدارة الصراع، ومرحلة اللافعل التي سيطرت على الحالة الفلسطينية في العقد الأخير، وسينقل إسرائيل إلى مرحلة الحسم النهائي. ويعتقد رافضو الضم من القادة العسكريين الإسرائيليين السابقين، المطلعين جيداً على الحالة في المناطق الفلسطينية، أن الضم سيضع السلطة الفلسطينية وقيادتها ورئيسها محمود عباس في وضع حرجٍ جداً، ويفرض عليها اتخاذ قراراتٍ، أو البدء الفعلي بتنفيذ بعض القرارات التي صدرت عن المجلسين، الوطني والمركزي، في الأعوام الماضية، أو حتى صدور أصوات فلسطينية رسمية تطالب بحل الدولة الواحدة على كل فلسطين التاريخية، ما يعني نهاية الصهيونية. وتعتقد أوساط أمنية إسرائيلية أن وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الأجهزة الإسرائيلية سيؤدّي إلى مناخ تصعيدي كبير في الضفة المحتلة، حيث ستفهم القرار فئة شابة فلسطينية أن السلطة لم تعد تمنع عمليات المقاومة ضد إسرائيل، وسيتم أخذ القرار أنه بمثابة ضوء أخضر للقيام بعملياتٍ طالما أن السلطة نفسها غير قادرة عليها، ما سينجم عنه الدخول في موجة تصعيد فلسطينية إسرائيلية قد تكون مكلفة كثيراً على المستوطنين الذين زادت أعدادهم في سنوات الهدوء الأخيرة. تخشى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن التزاماتها، وخصوصاً الأمنية والسياسية والاقتصادية في الضفة، ما سيؤدي حتماً إلى إعادة سيناريوهات الانتفاضتين الفلسطينيتين، عبر ظهور أجنحة عسكرية مختلفة لحركة فتح وباقي الفصائل التي ستدخل في تنافس داخلي في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، ما سيدفع حركة حماس إلى العودة بشكل قوي إلى العمل المسلح في الضفة، وتسخين جبهة قطاع غزة بشكل أكبر من السنوات الماضية، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة.

عربياً، شكّل تحذير ملك الأردن، عبد الله الثاني، في مجلة دير شبيغل الألمانية، من أن ضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل سيؤدي إلى حدوث صدام كبير مع بلاده، وقد تصدر حديث الملك كل وسائل الإعلام الإسرائيلية، لما للعلاقة مع الأردن من أبعاد استراتيجية على إسرائيل من كل النواحي والمجالات، السياسية والأمنية والاقتصادية. فإضافة إلى الانهيار المتوقع لاتفاقية السلام، عبّر عسكريون كبار سابقون في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن أن تهديد الملك يعكس شعوراً أردنياً بأن الاستقرار في الأردن لم يعد مهماً من وجهة نظر إسرائيلية يمينية، وأن إسرائيل تسعى، من خلال الضم وحشر ملايين الفلسطينيين في أقفاص، وحرمانهم من حقوقهم السياسية، للعودة إلى خيار الوطن البديل في الأردن، والذي يعني نهاية المملكة الهاشمية وإقامة دولة فلسطينية هناك، بعد أن خفت الحديث في السنوات الماضية عن هذا الحل. وتخشى الجماعات الإسرائيلية الرافضة للضم من عودة الحدود الشرقية مع الأردن إلى ما كانت عليه في سنوات الستينيات وحتى بداية السبعينيات، حين شكلت محطة انطلاق وتسلل لمئات الخلايا الفدائية الفلسطينية لتنفيذ عمليات مقاومة ضد أهداف إسرائيلية، في مرحلة حرب الاستنزاف على الحدود مع الأردن والشمال ومصر. وبهذا تكون إسرائيل قد خسرت بيئتها الإقليمية التي تحسّنت كثيراً في السنوات الماضية، والانفتاح العربي الواسع عليها، وخصوصاً من مصر وبعض دول الخليج والسودان.

كما يخشى رافضو الضم من أن يُضعف مصر، وينهي دورها وتأثيرها في القضية الفلسطينية  الذي لم يعد يشكل خطراً على إسرائيل، بعد أن أصبحت وسيطاً. كذلك يخشون تراجع أنظمة دول في الخليج عن مشاريعها المستقبلية مع إسرائيل، وإحراجها أمام شعوبها، ما سيشكل مدخلاً لإيران وحلفائها وتركيا في العالم العربي، بعد أن ظهرت الأنظمة أمام شعوبها ضعيفةً. ويشكل تراجع دور هذه الأنظمة وتأثيرها ضربة لمكانة إسرائيل الإقليمية، بعد أن تجاوزت إسرائيل القضية الفلسطينية، وذهبت باتجاه إقامة تحالفات معها.

تراجع المكانة الإقليمية لإسرائيل بسبب الضم، مع استمرار التصعيد الميداني في الأراضي الفلسطينية، سيؤدّيان إلى ضرب مساعي التطبيع العربي مع إسرائيل، والتي شكلت قفزة إسرائيلية كبيرة، أدّت إلى إخراج أقلام عربية قريبة من بعض الأنظمة العربية إسرائيل من دائرة الأعداء، واعتبارها جزءاً طبيعياً من المنطقة، وإحلال إيران وتركيا محل إسرائيل، لإحداث تبدلاتٍ في الأولويات العربية، وإيجاد عداوات عربية عربية، وأخرى عربية إيرانية، وعربية تركية، فيما إسرائيل، في نظر بعضهم، دولة جارة مسالمة. وستؤدي تلك الأحداث إلى تراجع تنفيذ المشاريع الكبرى المشتركة بين إسرائيل ودول عربية في عدة مجالات، ما يعتبر خسارة إسرائيلية كبرى، سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

أوروبياً، واضح أن رفض الضم هو سيد المواقف الأوروبية، ولو بشكل متفاوت من حيث الردود. ومن وجهة نظر يهودية يسارية علمانية، سيؤدي فرض ضم إسرائيل أراضي من الضفة الغربية إليها إلى فرض عقوبات من عدة دول على إسرائيل، وستشمل مجالات اقتصادية وعلمية عديدة، وسيؤدي إلى زيادة وتيرة نشاطات حركة حملات المقاطعة الدولية لتشمل إسرائيل، وليس فقط المستوطنات فيها، ما سيعرّض إسرائيل لمزيد من العزلة، والتراجع في شرعيتها.

من نفس القسم دولي