دولي

القطيعة السياسية بين السلطة و"إسرائيل".. تهديدات بدون عمل

الأجواء الفلسطينية غير مناسبة لقرارات مصيرية مع استمرار الانقسام

يرى مراقبون أن إعلان محمود عباس -رئيس السلطة الفلسطينية-إنهاء الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومات "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية هو رمي حجر في مياه راكدة ليقول للعالم انتبهوا هناك مشكلة.

 

فالخطوة الغاضبة التي أعلنها عباس تتزامن مع ضم "إسرائيل" مستوطنات الضفة ومناطق الأغوار لسيادتها الكاملة وفق مخطط "صفقة القرن"، وهو ما يقضي على حلم دولة فلسطينية مستقلة، ويفرغ عملية التسوية من جوهرها.

التخلص من الاتفاقيات السياسية والأمنية يضع سؤالاً على الطاولة عن جديّة ما بادرت إليه السلطة وبدائل العمل السياسي القادمة لسلطة تصارع احتلالًا يتغوّل على الحقوق الفلسطينية، وتتمسك في الوقت ذاته بتسوية متعثّرة!

الأجواء الفلسطينية غير مناسبة لقرارات مصيرية مع استمرار الانقسام وتدهور المؤسسات الوطنية الكبرى وعلى رأسها منظمة التحرير والمجلس الوطني، وهو ما يرى فيه كثيرون ضرورة لإصلاحها لمواجهة المرحلة الحالية. وكان عباس أعلن في خطابه الماضي أن مخططات الضمّ أظهرت أن "إسرائيل" لم تعد تلتزم باتفاقيات السلام الموقعة مع الفلسطينيين، وبالتالي أصبحت السلطة الفلسطينية "في حِلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية".

ويقلل المحلل السياسي عبد الستار قاسم من جدية السلطة الفلسطينية  في التحلل من الاتفاقيات الموقعة، واصفاً ما أعلنه عباس بـ"مفرقعات إعلامية" تشكل واحدة من تصريحات شديدة اللهجة دون محتوى عملي. ويضيف: "وجود عباس مرتبط بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وبخدماته الأمنية للاحتلال، هل يغامر بوضعه السياسي؟ لا أعتقد".

ومع استمرار تعثر التسوية وتنكر الاحتلال لجميع الاتفاقيات والحقوق الفلسطينية اعتاد عباس التلويح بهراوة الانسحاب من الاتفاقيات أو الترتيبات السياسة في أكثر من مستوى، ولكن لم يفعل شيئًا عمليًّا. ويؤكد علاء أبو عامر -الدبلوماسي الفلسطيني، وأستاذ العلاقات الدولية- أنه لا يمكن الخروج من أوسلو ونسف اتفاقياته في سياق الظرف الراهن ووفق المسلكيات المتبعة.

ويضيف: "التحلل من الاتفاقيات يعني الغاء اتفاقية أوسلو، وبالتالي إنهاء دور السلطة الفلسطينية أو تحويلها إلى دولة، وهي كذلك بحسب العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، لا اشتباك قادم مع العدو بل سيقاوم من السلطة من سيشتبك، هذا معلن من السيد الرئيس، انتفاضة شعبية غير مرغوبة، الحديث يدور عن مقاومة شعبية. هل المقصود مظاهرات فقط؟!".

ويصف الدكتور أبو عامر المشهد الفلسطيني بأنه في "وضع صعب"، متابعاً: "لا تغيير سيطرأ، وسيبقى الاحتلال مبادراً ونحن نمارس ردات فعل لحظية موسمية يمكن أن نسميها تنفيس غضب، لا أدري كيف سيتحول ما قيل إلى واقع؟".

العالم كله يترقب ماذا بوسع الفلسطيني أن يفعل لا ما سيقول! نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة كانت محطة فارقة، وللأسف مرت دون شعور الاحتلال بالخطر. الخيارات الفلسطينية لتحسين موقف الفلسطيني في الصراع تعتمد حسب كثير من المراقبين للمشهد السياسي على (قلب الطاولة) وعودة الصراع لمربعه الأول في مقاومة تحت الاحتلال بعد حل السلطة التي لم تجلب شيئًا من الحقوق.

ويؤكد عبد الستار قاسم -المحلل السياسي- أن عباس يرفض الخيارات الأخرى في التعامل مع الاحتلال، وأن المفاوضات لا تزال خياره؛ حيث أكد في خطابه أن أمريكا لن تكون وسيطا وحيدا؛ بمعنى تمسكه بالمفاوضات بعد فشلها الطويل! الحديث عن العودة للمقاومة الشعبية تحت الاحتلال الإسرائيلي وحل السلطة هو محطة للنقاش بين كثير من النخب الفلسطينية، لكنه لم يرتق درجة الدخول لأجندة كبرى الفصائل.

إعادة إحياء المؤسسات الوطنية كمنظمة التحرير والمجلس الوطني، وإنهاء الانقسام، وتفعيل المجلس التشريعي جرى لأجلها عشرات اللقاء وعدة اجتماعات سابقة في القاهرة دون أن تسفر عن شيء. ويقول أبو عامر: "لا يمكن إصلاح منظمة التحرير ما لم تصلح مكوناتها"، مضيفا: "أغلب مكوناتها ما يزال أمناؤها العامون يعيشون في مرحلة الرفيق بريجنيف، كل الحركة الوطنية الفلسطينية بحاجة لإصلاح، ليست جلسات المجالس الوطنية ولا مؤتمرات هنا وهناك قادرة على إصلاح الوضع بل تأزيمه".ويدعو إلى إعادة الاعتبار لنهج يعيد الصراع لأصله، ويعيد فلسطين كقضية أمن قومي عربي وقضية كرامة ومصير عربية والابتعاد عن شعار الدولة والتمسك بتحرير الأرض والعودة وإعلاء الوطن على السلطة.

ويضيف: "أعتقد دون اتخاذ خطوات عملية تربك حسابات إدارة ترمب ونتنياهو لن يتغير شيء، لو كان في حسابات هذه الإدارة الأمريكية وإسرائيل رد فعل فلسطيني أو عربي جديّ لما كانت قد صيغت الخطة الصفقة".ولطالما افتقد الفلسطينيون مظلة جامعة وطنية، وغابت عنهم إستراتيجية العمل الوطني، وكل ما تلوّح به السلطة الآن لن يتعدى مجرد تصريحات دون محتوى فعلي.

من نفس القسم دولي