دولي

كورونا فرصةً إسرائيليةً ثمينة

على الرغم من انشغالها بمواجهة جائحة كورونا، بعد انتشار الفيروس فيها، والذي أدى إلى شلل في عجلة الإنتاج، بفعل إجراءات الإغلاق والحد من الحركة والتنقل والعمل والدراسة، وعلى الرغم من انهماك كل دوائرها ومؤسساتها في الحرب ضد كورونا، إلا أن إسرائيل لا يمكن أن تضيع هذه المناسبة بدون محاولات الاستفادة منها، وتوظيفها لخدمة مشروعها الاستعماري التوسعي في فلسطين والمنطقة، وتحويل كورونا من أزمة إلى فرصة ثمينة، سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو مواجهة إسرائيل مع إيران وحلفائها في المنطقة.

فلسطينيا، لم تترك إسرائيل أي فرصة لاستثمار أزمة كورونا الإنسانية وتوظفيها، حتى السلطة الفلسطينية التي قال الناطق باسمها، إبراهيم ملحم، إن غرفة تنسيق مشتركة مع إسرائيل أقيمت لمواجهة الجائحة، لم تنج من استهداف الاحتلال، حيث قللت إسرائيل من قدرات الفرق الطبية والفنية الفلسطينية العاملة في مواجهة كورونا في الضفة الغربية، والتشكيك بالتقارير اليومية التي تنشرها السلطة، لتضرب ثقة المجتمع الفلسطيني بالسلطة، حيث لم يرُق لإسرائيل أن ترى لأول مرة رضا أغلبية فلسطينيي الضفة من أداء الحكومة الفلسطينية في مواجهة الفيروس، ما دفع الماكينة الإعلامية والأمنية في إسرائيل إلى نشر تقارير ومقالات كثيرة تدّعي أن رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، يستغل الحرب على كورونا ليمهد الطريق للوصول إلى كرسي الرئاسة الفلسطينية، بدل الرئيس محمود عباس، وذلك لضرب مؤسسة الرئاسة بالحكومة، حتى وصل الأمر بمقالات أمنية عبرية موجهة ادّعت أن العالم وإسرائيل تكيفا وتعودا على العمل مع اشتية بديلا عن عباس، كما تحريض قيادات فلسطينية على اشتية، على  

"قللت إسرائيل من قدرات الفرق الطبية والفنية الفلسطينية العاملة في مواجهة كورونا في الضفة الغربية" الرغم من إصرار الرجل على التأكيد كل مرة يظهر فيها أمام الرأي العام الفلسطيني أنه يعمل بتوجيهات الرئيس، ولم يخط خطوة واحدة إلا بتكليف منه.

لم تتوقف إسرائيل عن بث الإشاعات عن احتمال انتشار الفيروس بشكل واسع مستقبلا، وانهيار القطاع الصحي في الضفة الغربية، فيما سمحت إسرائيل، ولأول مرة، ببقاء عشرات آلاف العمال الفلسطينيين فيها، طوال فترة عيد الفصح اليهودي، لإعاقة الإجراءات الفلسطينية بعد انتهاء الحكومة الفلسطينية من وضع خطة شاملة لاستقبال العمّال على الحواجز التي تربط الضفة بفلسطين المحتلة عام 1948، وإجراء الفحوص اللازمة لهم، ونقلهم إلى الحجْر 14 يوما، وبعدها تكون قد حاصرت الفيروس لتتمكّن من العودة التدريجية للحياة في الأراضي الفلسطينية التي لا تحتمل استمرار الشلل. ومما يؤكد أن إسرائيل معنية بإرباك الحالة الفلسطينية وعدم الاكتراث بنقل الفيروس إعادة الجيش الإسرائيلي عمالا فلسطينيين، بعد الاشتباه بإصابتهم بالفيروس، ورميهم في قرى نائية بعيدة عن نقاط الصحة الفلسطينية التي أقامتها السلطة لاستلام العمال، في إجراء عنصري يرمي إلى عدم معالجتهم في إسرائيل، وعدم تسليمهم للسلطة، ما يتسبب بنقل الفيروس لفلسطينيين آخرين، مثلما حدث مع عمال في مصنع الدجاج المقام في مستوطنة عطروت شمال القدس المحتلة، إضافة إلى تكرار بصق جنود للاحتلال المتعمد على أبواب السيارات الواقفة في شوارع مدن وبلدات في الضفة الغربية، في أثناء الاقتحامات الليلية التي لم تتوقف حتى في أثناء كورونا، كما عطس قطعان المستوطنين في وجوه الفلسطينيين في  

"بثت إسرائيل الإشاعات عن احتمال انتشار الفيروس بشكل واسع مستقبلاً، وانهيار القطاع الصحي في الضفة الغربية" غير قرية في الضفة الغربية.

وفي سياق الاستثمار الإسرائيلي والتوظيف السياسي للفيروس، أعلن مسؤول رفيع في وزارة الصحة الإسرائيلية أنه لا بد من فرض الضم الطبي والصحي للضفة الغربية، واستلام وزارة الصحة الإسرائيلية القطاع الصحي وإجراءات مواجهة كورونا في الضفة الغربية، على الرغم من فشل هذه الوزارة في السيطرة على الفيروس في إسرائيل نفسها. وتزامن هذا الحديث مع مفاوضات تشكيل الحكومة بين رئيس الحكومة، نتنياهو، والجنرال بيني غانتس، لكي يتضمن البرنامج الحكومي الضم، من المدخل الإنساني الصحي، وليس السياسي أو الأيديولوجي. كما أعلن مصدر إسرائيلي في مكتب نتنياهو أن انتشار فيروس كورونا يؤكد حاجة إسرائيل للسيطرة الأبدية على الحدود الأردنية والمعابر مع الضفة، لمنع وصول الفيروسات مستقبلا، بنظرة دونية للقيادة والسلطة الفلسطينية، وكأنها غير قادرة على إدارة أزماتها، على الرغم من الأداء الفلسطيني الذي سبق إسرائيل في هذه الأزمة، ومع أن ما يحدث يؤكد أن إسرائيل هي مصدر الفيروس للمناطق الفلسطينية وليس العكس، كما كان لمدينة القدس نصيب في الاستهداف الإسرائيلي في إعاقة الجهود المقدسية لمواجهة كورونا، وإفشال هذه الجهود. وشنت إسرائيل حملة اعتقالات متكررة طاولت القائمين على لجنة الطوارئ المشكلة في القدس، وخصوصا محافظ القدس في السلطة عدنان غيث ووزير شؤون القدس فادي الهدمي وغيرهما.

وفي تطور جديد، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن تعليماتٍ يجب أن يلتزم بها المواطنون 

"أعلن مسؤول رفيع في وزارة الصحة الإسرائيلية أنه لا بد من فرض الضم الطبي والصحي للضفة الغربية" الإسرائيليون، ورد في الإعلان نفسه أنه يشمل الشوارع والمناطق في الضفة الغربية التابعة لما أسماها البيان السيادة الإسرائيلية. وهذه المرة الأولى منذ اتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1993 يتم استخدام مصطلح السيادة في بيانات الشرطة الإسرائيلية لحركة المواطنين الفلسطينيين ومركباتهم في طرقات الضفة الغربية. وفي السياق نفسه، كان منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، كما مسؤولين إسرائيليين كثيرين قد شنوا هجوما على المتحدثين الفلسطينيين الذين انتقدوا السياسات الإسرائيلية التي ترمي إلى إعاقة دور السلطة في مواجهة كورونا. ويعيد هذا السلوك تأكيد الرؤية الإسرائيلية الاستعلائية وفق اتفاقية أوسلو للسلطة ودورها أنها ليست أكثر من وكيل خدماتي أمني إداري، وما عليها سوى تنفيذ دورها، وممنوع عليها انتقاد أي سلوك إسرائيلي.

وفي ما يخص قطاع غزة المحاصر، قال وزير الجيش الإسرائيلي اليميني المتطرّف، نفتالي بينيت، إنه ليس من المعقول إدخال إسرائيل أجهزة تنفس إلى قطاع غزة، ما دام هناك جنود ومواطنون إسرائيليون في قبضة حركة حماس التي تسيطر على القطاع، ما دفع القائد الميداني في الحركة، يحيى السنوار، إلى الرد بأن منع غزة من التنفس سيدفع "حماس" إلى منع ملايين الإسرائيليين من التنفس، ولكنه أبدى بعض الليونة على شروط حركته إزاء تبادل الأسرى مع إسرائيل، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى إبداء نوع من الموافقة، فيما دعا مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب الحكومة الإسرائيلية إلى تطوير المفاوضات مع "حماس"، بغية استغلال أزمتها مع كورونا والذهاب باتجاه إبرام اتفاقية وقف إطلاق نار طويلة المدى، للتفرغ لتنفيذ ما سميت صفقة القرن في الضفة الغربية.

من نفس القسم دولي