دولي

دروس القائمة المشتركة

قدّمت القائمة العربية المشتركة، التي فازت بخمسة عشر مقعداً في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، دروساً في العمل الوحدوي، وفي أهمية التشاركية، فقد كان لهذا الفوز للقائمة، وهي التي تمثل فلسطينيي الأراضي المحتلة في عام 1948، تأثير مزلزل من شأنه منع القائم بأعمال الحكومة الإسرائيلية العنصري، بنيامين نتنياهو، من تشكيل حكومة، والاستمرار في سياسات اليمين المتطرّف.

يشكل المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل 21% من السكان، ولكن بسبب أن غالبيتهم من الجيل الشاب، فإن نسبة الذين يحق لهم التصويت تقل عن 17%، وقد شارك في الانتخابات أخيراً، وهي الثالثة في عام، حوالي 66% منهم، وهي من أعلى النسب للمشاركة العربية في أي انتخابات منذ تأسيس إسرائيل، علماً أن مشاركتهم في انتخابات سبتمبر/ أيلول الماضي التي نالوا فيها 13 مقعداً لم تصل إلى 60%.

لم يحدث هذا "الزلزال" السياسي بالمصادفة، إذ شاهدنا أنه في انتخابات إبريل/ نيسان الماضي، عندما تم تفتيت القائمة المشتركة إلى مجموعتين، نالت عشرة أعضاء بين الكتل المختلفة. ما يؤكد أن أهم الدروس التي يجب أن يتعلّمها العرب من الخليج إلى المحيط هو الوحدة والوحدة والوحدة، والتي لولاها، وهي المبنية على الهوية العربية الجامعة، لما نجحت القائمة المشتركة بهذه النتيجة الجديدة، بغض النظر عن الطبيعة العنصرية لدولة الاحتلال.

وفي مقابل الوحدة، لا تزال الفردية مهيمنةً على صنع القرار لدى القيادة الفلسطينية، وفي عالمنا العربي، فنظرة مثلاً إلى الألعاب الأولمبية العالمية توضح أن الرياضيين العرب نجحوا في الحصول على عشرات الميداليات، ومنها الذهبية، في مختلف الألعاب والمسابقات الفردية، في حين فشل العرب منذ بدء انتظام الألعاب الأولمبية، قبل أكثر من مائة عام، في كسب أي 

"شارك في الانتخابات الأخيرة حوالي 66% من الناخبين العرب، وهي من أعلى نسب المشاركة منذ تأسيس إسرائيل" ميدالية في مبارزة جماعية.

قد يكون الفرد لدينا ناجحاً، ولكن عندما يتطلب الفوز التشاركية نفشل. ويطبق المبدأ نفسه على غياب الشركات القوية، فشركات العائلات تنجح، في حين تتعثر الشركات المساهمة، بسبب انفراد الرئيس التنفيذي، أو رئيس مجلس الأمناء، في القرار، وغياب التشاركية في اتخاذ القرارات.

ولكن الوحدة لا تتحقق، ولن تكون مقنعةً إن لم تُبنَ على أساس احترام الآخر. نشهد في العالم العربي تشققاتٍ وأزمات متتالية، بسبب التشبث بالهوية التفصيلية، بدل قبول الاختلاف، فرفض القوميات غير العربية سبب ولا يزال يسبب انشقاقاتٍ، وتعاملاً بصورة تمييزية بين المواطن والمواطن، وكذلك الأمر في ما يتعلق بأقليات دينية أو إثنية أو فكرية، فمن أسباب نجاح القائمة المشتركة أنها ضمنت المكونات، الإسلامي والقومي واليساري، واتبعت المشاركة الحقيقية بين أعضائها في اتخاذ القرارات، والتوصل إلى الحلول في كل الأمور بعد نقاش داخلي جاد وصادق. وبذلك، يكون تطبيق مبدأ المواطنة بدون تمييز، والتشاركية في اتخاذ القرار، درسين مهمين، يمكن استنتاجهما عربياً من نجاح القائمة المشتركة.

هل يمكن للشعب الفلسطيني أن يستفيد من تجربة إخوانه وأخواته في فلسطين الداخل؟ هل يعقل أن يبقى الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب الخلاف بين حركتي حماس وفتح، أكثر من عقد، والمشروع الوطني الفلسطيني مهدد بمخاطر كثيرة؟ في الوقت الذي شارك فيه أهلنا هناك في انتخاباتٍ للمرة الثالثة خلال عام، ما هو مبرّر غياب انتخابات أكثر من 13 عاماً في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ لا يتعلق الأمر بالانتخابات العامة فقط، وإنما أيضاً في داخل الفصائل والأحزاب الفلسطينية، يسارية وغير يسارية، وحتى في مؤسسات المجتمع المدني، لا تزال الفردية باقية في عديد منها، وكذلك غياب مبدأ المشاركة في صنع القرار.

الحاجة الفلسطينية هي إلى دماء جديدة وأفكار جديدة في أعلى مستويات صنع القرار، وهذا لن يحدث، ما دامت الفردية مسيطرة، وما دام هناك غياب للعمل الوحدوي الحقيقي، المبني على المشاركة في صنع القرار، بدل التفرّد فيه.

احترام الآخر ورأيه والتشاركية ضمن إطار وحدوي حقيقي هما أساس أي تغيير حقيقي في الوضعين الفلسطيني والعربي. ولن تكون دروس القائمة المشتركة ذات فائدة، إذا لم نطبقها في حياتنا السياسية وسلوكنا وتصرّفاتنا اليومية. حان الوقت لوحدة حقيقية فلسطينية مبنية على احترام الاختلافات الداخلية، وبهدف رئيسي، إنهاء الاحتلال وصون حقوق المواطنة المتساوية من دون تمييز.

من نفس القسم دولي