دولي
التنسيق الأمني: قصة سلطة فلسطينية مؤقتة غرقت بالامتيازات
تجذّر التنسيق الأمني منذ اتفاقية أوسلو
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 فيفري 2020
لم يهدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمته في 11 فبراير/ شباط الحالي أمام مجلس الأمن الدولي، بقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل وتغيير الدور الوظيفي للسلطة، كما فعل في خطابيه السابقين في رام الله وأمام مجلس جامعة الدول العربية، رداً على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنود خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن" نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.
ربما أعاد عباس حساباته في ما يتعلق بالتهديد بقطع التنسيق الأمني أمام أهم منصة دولية في العالم، فهذا التهديد الذي يُعتبر الأكثر تكراراً لدى القيادة الفلسطينية في السنوات الثلاث الماضية، يضع حياة السلطة على المحك.
وتحول التنسيق الأمني الذي وصفه الرئيس الفلسطيني أكثر من مرة بـ"التنسيق الأمني المقدس"، إلى آخر بطاقة حمراء يهدد بها عبر المنابر المختلفة، بعدما لم تترك له سياسة إدارة دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خياراً آخر، وأوصدت خريطة "صفقة القرن" نفق "المفاوضات" التي كان يعوّل عباس على ضوء حولها، ولو خافتاً، في نهايته طوال الـ15 سنة الماضية، وترى أوساط سياسية فلسطينية أن التهديد بوقف الاتفاقيات الدولية وقطع التنسيق الأمني مع الاحتلال تكرر خلال السنوات الأربع الماضية، سواء على شكل قرارات للمجلسين الوطني والمركزي الفلسطينيين، وفي خطب الرئيس وتصريحاته، بحيث أفقد التكرار التهديد معناه.
وتعتبر أوساط "فتحاوية" أن الانفكاك من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ولا سيما التنسيق الأمني، ليس مستحيلاً، بل يحتاج إلى إرادة سياسية أولاً، وتعبئة وطنية عالية للشارع الفلسطيني، وتفكيك طبقة فلسطينية ارتبطت مصالحها مع الاحتلال، وهذا الأمر يحتاج إلى "حزم ووقت طويل".
ويؤكد المسؤولون الفلسطينيون أن التنسيق مع الاحتلال يطاول جوانب حياة الفلسطينيين كافة، مواطنين وقيادة، من تنقل وعلاج وعمل، وتنسيق لكل ما تستورده وتصدره السلطة من أجهزة ومواد طبية وزراعية وتعليمية وغيرها، حيث يوجد في مقر الإدارة المدنية لإدارة شؤون الضفة الغربية المحتلة في مستعمرة "بيت إيل" شمال محافظة رام الله والبيرة، أكثر من 20 ضابط ارتباط إسرائيلياً متخصصين في كل المجالات. وعلى سبيل المثال، هناك ضابط إسرائيلي للصحة يجري التنسيق معه في كل ما يتعلق بالحوالات الطبية إلى المستشفيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. ولا تتحرك سيارة إسعاف عبر الحواجز الإسرائيلية وبين المشافي الفلسطينية والإسرائيلية إلا بقرار منه. وينسحب الأمر على وجود ضباط متخصصين في السجل السكاني الفلسطيني "المواليد والوفيات"، التعليم، البيئة، الزراعة، المواصلات، الاقتصاد، البنية التحتية، المخططات الهيكلية وغيرها، حيث يوجد في كل مؤسسة فلسطينية مسؤول فلسطيني مهمته لقاء ضابط الإدارة المدنية المختص بوزارته لإصدار التصاريح وتسهيلات العمل المتعلقة بوزارته.
ورفضت وزارة الداخلية الفلسطينية إجراء أي مقابلة مع "العربي الجديد"، لإعطاء معلومات عن ماهية التنسيق الأمني، ومدى صحة وجود شبكة حواسيب فلسطينية - إسرائيلية - أميركية مرتبط بعضها ببعض، ويمُنع الفلسطينيون من إصلاحها في حال تعرضها لأي خلل.
ونجح المنسق الأمني الأميركي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية دايتون، خلال سنوات عمله، في إعادة تفكيك الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإعادة ترتيبها وفق عقيدة أمنية، جوهرها وجود رجل أمن فلسطيني منزوع العداء لإسرائيل، ومهمته تتمثل بحفظ النظام والأمن فقط، وصدّ أي تظاهرات أو مبادرات فردية من شأنها أن تضرّ بأمن إسرائيل ومستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة.
وإلى جانب التنسيق المدني المذكور سابقاً، هناك التنسيق العسكري الذي رفض اللواء جهاد الأعرج، رئيس الارتباط العسكري، الرد على اتصالات "العربي الجديد" ورسائله، للاستفسار عن ماهيته، وأبرز ما يعرف عن التنسيق العسكري، هو الرمز "صفر صفر"، حيث ينسحب عناصر الأمن الفلسطينيون من الشوارع والطرقات بعد تلقيهم هذا الرمز من الاحتلال، ومفاده أن هناك مهمة أمنية لجيش الاحتلال في المكان. وعادة ما تكون هذه المهمة اعتقالاً أو اغتيالاً يستمر ساعات عدة، من دون أن تظهر قوات الأمن وسلاحها في الشوارع، منسحبة بموجب هذا الرمز إلى مقارّها الأمنية، بحسب ما يشرح أحد ضباط الأمن لـ"العربي الجديد".
ولا تبدو هذه المعلومات سرية، حيث يعرف أي مواطن فلسطيني أن انسحاب الأمن الفلسطيني من الشوارع يعني أن هناك ليلة صعبة في المكان: إما اقتحام أو اغتيال للاحتلال، كما هو عليه الأمر عندما يقتحم مئات من الجنود الإٍسرائيليين مدينة نابلس كل شهر لحماية المستوطنين الذين يقيمون شعائر دينية في "مقام يوسف"، بهدف الاستيلاء عليه لاحقاً.