دولي

سليمان حمد.. رائد العمل الإسلامي الفلسطيني في الكويت إلى رحمة الله (1)

 

لعله الوحيد في التاريخ الفلسطيني الحديث الذي شارك في تأسيس أكبر حركتين للمقاومة الفلسطينية، فتح وحماس.. مُربّ وتربوي من الطراز الأول، تخرَّج على يديه الآلاف في مدارس غزة والكويت؛ قائد إسلامي حركي عاش مسكونا بفكرة الجهاد والمشروع الإسلامي لتحرير فلسطين، وربى جيلا من قادة حماس الشباب. وهو صاحب رؤية، يؤثر العمل الهادئ الفعّال، ولا يأبه بالأضواء؛ ولا ينشغل بصغائر الأمور… إنه الأستاذ حسن سليمان إسماعيل حمد (العم أبو محمد) الذي انتقل إلى رحمة الله في 26 كانون الثاني/ يناير 2020.

كان سليمان حمد رجلا ربانيا، منظم التفكير، قليل الكلام، ذا هيبة ووقار، عزيز النفس، هادئا متواضعا، يجيد الاستماع، ويجيد الإقناع، عمليا، يأخذ نفسه بالعزيمة، منضبط المواعيد، حاسما وحازما عندما تستدعي الحاجة.

ولد العم أبو محمد سليمان حمد في قرية المغار قضاء الرملة في 18 أيار/ مايو 1929، رزقه الله 12 من الأبناء (8 أولاد و4 بنات) كلهم جامعيون. أكمل الثانوية في روضة المعارف بالقدس سنة 1948، ثم تابع دراسته (في أثناء عمله) انتسابا في جامعة لندن في ليحصل على دبلوم (Intermediate) في الرياضيات، وحصل لاحقا على البكالوريوس في اللغة العربية والماجستير في العلوم العربية والإسلامية. عمل في التدريس في غزة والكويت، وفي الثمانينيات كان مؤسسي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وكان أول أمين عام لها، ثم تفرغ للعمل بها بعد أن استقال من وزارة التربية، ثم عُيِّن مسؤولا عن قسم الدعوة والتعليم، ثم مراقبا للشؤون الإدارية.

انتقلت عائلته في نكبة 1948 إلى مخيم البريج بقطاع غزة؛ وعمل في البداية مدرسا في مدرسة البريج الابتدائية للبنين، ثم ناظرا لمدرسة النصيرات الابتدائية. كانت بدايته مع جماعة الإخوان المسلمين سنة 1950 عن طريق رجل بدوي بسيط اسمه سليم المصدّر، توسم في سليمان حمد خيرا، فأهداه جريدة الدعوة. وترك الحزب الشيوعي "عصبة العمل الوطني" الذي انتمى إليه لفترة وجيزة، ليس حبا في الشيوعية ولكن نقمة على الأنظمة والأوضاع السائدة. ومنذ ذلك الوقت أعطى قلبه وروحه للإسلام.

وكشعلة من النشاط، قام حمد باستكمال بناء وتجهيز مدرسة النصيرات، وكذلك المسجد المجاور، وكان له الدور الرئيس في تأسيس شعبة الإخوان في النصيرات. وتتلمذ على يديه العديد من الطلاب الذين برزوا فيما بعد أمثال الأساتذة عبد الفتاح دخان، وحماد الحسنات، وشوقي الخراز، وطَلَب الشيخ قاسم، وعبد القادر أبو سمرة، وكلهم نظَّمهم في الإخوان. ونسَّق مع الضابط المصري "الإخواني" عبد المنعم عبد الرؤوف التدريب العسكري لنخبة مختارة من الإخوان، حيث كان يتم إرسال عشرة من الإخوان من كل شعبة للتدريب سرا بعد منتصف الليل، ومن بين من أرسلهم لهذه المهمة محمد جودت صبح.

انتقل حمد للتدريس في الكويت سنة 1953، بعد صدامات مع الشيوعيين الذين كانوا متنفذين في إدارة التعليم (خليل عويضة ورفاقه). وبعد وصوله بشهرين جاء زميله موسى نصار، ثم لحقهم يوسف عميرة؛ حيث مثلوا بداية الإخوان الفلسطينيين في الكويت.

وهناك تواصلوا مع الإخوان الكويتيين عن طريق الأستاذ عبد الله المطوع (أبو بدر) الذي رحَّب بهم، وعرفهم على جمعية الإرشاد، التي كانت تمثل العمل الإخواني (لمختلف الجنسيات) في الكويت، حيث شاركوا فيها، وأنشأوا قسما لفلسطين في كانون الثاني/ يناير 1954، وأصدروا مجلة حائطية. غير أن الجمعية حُلِّت بضغط من نظام عبد الناصر في 1956. وقد تسبب ذلك بحالة إرباك مؤقت للوضع الإخواني الذي فقد مظلته.

كان يوسف عميرة من مجاهدي الإخوان في حرب 1948 في منطقة يافا، ثم من قادة العمل العسكري الإخواني في القطاع تحت إمرة كامل الشريف، وكان على معرفة وتنسيق مع أبي جهاد خليل الوزير في عمله العسكري في منطقة غزة.

وفي 1957، جاء ياسر عرفات وخليل الوزير للعمل في الكويت، وانضم إليهما يوسف عميرة في فكرة إنشاء حركة مقاومة فلسطينية تأخذ شكلا وطنيا؛ وتتجنب الشكل والشعارات الإسلامية حتى لا تستفز الأنظمة المعادية للإسلاميين، وخصوصا النظام المصري. غير أن البيئة التي أخذت هذه الحركة تجند عناصرها من وسطها في مرحلتها الأولى كانت بيئة الإخوان المسلمين.

وبترتيب من يوسف عميرة، زار ومعه ياسر عرفات وخليل الوزير سليمان حمد في بيته في الجهراء، حيث انضم إليهم في الحركة التي لم يكن قد تقرَّر اسمها بعد.

وكان سليمان حمد يشارك في الاجتماعات القيادية، حيث كان دوره يتركز في الجانب الإعلامي. وكان له دور أساس في إعداد مجلة فلسطيننا، التي أخذت تصدر في لبنان منذ تشرين الأول/ أكتوبر 1959. وكان لسليمان حمد مقال شهري ثابت تحت سلسلة "فلسطين بين جهاد الأحرار ومؤامرات الخونة والاستعمار"؛ واختار لنفسه اسما مستعارا هو "جهاد مؤمن". وكان مسؤولا عن وضع عدد من الشعارات مثل "ثورة حتى النصر" و"كل البنادق باتجاه العدو".

ودونما دخول في التفاصيل، فإن حمد ترك فتح سنة 1963 بعد أن أخذت قيادة الإخوان الفلسطينيين في غزة موقفا متحفظا تجاه فتح، وبعد أن لم تنجح محاولات سليمان حمد في الوصول إلى توافق بين الطرفين حتى أَمَرَ كل طرف أعضاءه بالتمايز عن الطرف الآخر سنة 1962، وبعد أن أصيب سليمان حمد بالإحباط نتيجة تساهل عرفات في إدخال عناصر "غير ملتزمة" محسوبة على تيارات قومية ويسارية وبعثية.

عاد سليمان حمد لينشط من جديد في الوسط الإخواني، خصوصا منذ 1966، وانتخب عضوا في قيادة التنظيم الفلسطيني في دورة 1969، ودورة 1973. وفي سنة 1975 تولى حمد قيادة الإخوان الفلسطينيين في الكويت، واستمر في ذلك حتى نهاية سنة 1989، مع الإشارة إلى أنه في 1975 انتخب خيري الآغا مراقبا عاما للإخوان الفلسطينيين، وانتُخب سليمان حمد نائبا له.

كان ثمة تناغم كبير بين سليمان حمد وبين خيري الآغا، الذي كان أيضا مسؤولا عن الإخوان الفلسطينيين في السعودية. وكان يجمع بين شخصيتيهما الرغبة القوية في استئناف العمل الجهادي، والإيمان القوي بضرورة تفعيل الشباب وتحميلهم المسؤولية. وقد توافق ذلك تماما مع شخصية الشيخ أحمد ياسين الذي تولى قيادة الإخوان الفلسطينيين في قطاع غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967.... يتبع

 

من نفس القسم دولي