دولي
غزة إلى التوتر الميداني مجدداً: رسائل لإسرائيل ومصر
أعاد ناشطو مسيرات العودة إطلاق البالونات الحارقة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 جانفي 2020
عاد التوتر إلى قطاع غزة من جديد، مع استمرار تباطؤ الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ تفاهمات وقف إطلاق النار بمراحله المتقدمة، والتي تشمل توسيع دائرة التصدير وإزالة سلع من قائمة الممنوعات، وتوسيع المشاريع الدولية لإغاثة أهالي القطاع، وإعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في أوقات سابقة.
في اليومين الماضيين، أعاد ناشطو مسيرات العودة وكسر الحصار إطلاق البالونات الحارقة تجاه الأراضي المحتلة ومستوطنات "غلاف غزة"، في خطوة فُهمت على أنها تصعيد، وإنّ كان محسوباً بدقة، في ظل التباطؤ والتلكؤ الإسرائيلي وغياب الدور المصري. وقالت مصادر قريبة من حركة "حماس"، لـ"العربي الجديد"، إنّ إطلاق البالونات الحارقة كان مقرراً قبل أسبوعين، رداً على "التلكؤ" الإسرائيلي تجاه تنفيذ التفاهمات، لكن الأحوال الجوية التي ترافقت مع منخفضات مطرية عميقة أدت لتأخر القيام بذلك.
وقبل البالونات الحارقة، أطلقت عدة صواريخ باتجاه مناطق فارغة في غلاف غزة، فُهم منها أيضاً تحريك للمياه الراكدة في القطاع، وإنّ لم تكن "حماس" هي التي أطلقتها، خصوصاً مع تأخر وصول الوفد الأمني المصري الذي كان على جدول أعماله زيارة غزة قبل نحو عشرة أيام. من جهتها، أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مواقع عسكرية لحركة "حماس" في اليومين الماضيين. غير أنّ الغارات لم تكسر قواعد الاشتباك، كما لم تفعل الصواريخ والبالونات الحارقة. ولعل التطور الأبرز الميداني هو سرعة تعامل جيش الاحتلال مع البالونات الحارقة ومطلقيها عبر استهدافهم بشكل مباشر، ليل الخميس الجمعة. ويأتي هذا التوتر في ظل "أزمة ثقة" باتت واضحة المعالم بين حركة "حماس" من جهة، والوسيط المصري من جهة ثانية، ملمحها الرئيس برز قبل أسبوعين مع رفع السلطات المصرية أسعار عشرات السلع الموردة إلى غزة عبر معبر رفح، وهو ما أحدث أزمة في غاز الطهي، الذي باتت مصر مصدره في السنة الأخيرة.
وأعطى تأخر الوفد المصري في الحضور إلى غزة في زيارة مجدولة، مؤشراً آخر إلى الأزمة التي لم تظهر للعلن، ولم يعلن عنها المصريون ولا "حماس"، المعنية بكل جهد يُحسن العلاقة مع القاهرة، شريان غزة الرئيس للحياة. وتشير مصادر موثوقة في غزة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية لطهران، ومشاركته في جنازة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي اغتيل قرب مطار بغداد فجر الجمعة 3 يناير/ كانون الثاني الحالي، أدت إلى خلاف مصر مع "حماس" وتفجر أزمة ثقة مع هنية شخصياً. ويبدو أنّ القاهرة لم تكن راغبة في زيارة هنية لطهران، كما أنّ الزيارة "أحرجتها" مع إسرائيل، ما أدى لتغيرات "محدودة" في التعامل مع غزة.
وعلى الرغم من أنّ القاهرة أعادت ضخ غاز الطهي إلى غزة، إلا أنها رفعت أسعاره، وعطّلت مرور سلع أخرى لبعض الوقت، مع فرضها ضرائب جديدة على مجمل السلع والبضائع الواردة منها إلى القطاع. ويفرض رفع الأسعار والضرائب الجديدة تحديات أمام الحكومة، التي تديرها حركة "حماس" في غزة، والتي باتت تُسير أمور موظفيها ومتطلبات القطاع الحكومي من فارق الأسعار بين المورد من إسرائيل والمورد من مصر الذي يعد أقل سعراً، ما يسمح لها بفرض ضرائب تجبيها لدفع رواتب موظفيها الأربعين ألفاً. غير أنّ "حماس" ليست معنية في تصعيد واسع، وتشاطرها إسرائيل الرغبة نفسها، في ظل الحديث المتكرر عن "تسوية" في غزة، وتفرغ إسرائيل للساحة السورية لمنع التمدد والتموضع الإيراني فيها. لكن ذلك قد لا يكون واقعاً إذا ما تطور الميدان سريعاً في القطاع، وقد تفلت الأمور من "عقالها" وتحدث جولة تصعيد أخرى. بكل الأحوال، فإنّ تدخّلاً مصرياً متوقعاً قد يمنع انزلاق الأوضاع في غزة إلى دائرة التصعيد الميداني، وإذا ما حدثت زيارة وفد الاستخبارات المصرية المرتقبة إلى القطاع، وما قد تحمله من تعهدات إسرائيلية جديدة، فإنّ ذلك قد يمنع تفجر الأوضاع ويعيد الهدوء الميداني.