دولي

الانتخابات العامة الفلسطينية. التعقيدات القانونية والسيناريوهات..

القلم الفلسطيني

جرت انتخابات سنة 1996 بناء على قانون الانتخابات رقم 13 لسنة 1995 وفق نظام الأغلبية، وجرت انتخابات سنة 2006 بناء على قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2005 وفق النظام المختلط.

وقد أصدر الرئيس عباس في 2/9/2007 القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية)، وينص القرار على إلغاء القانون رقم 9 لسنة 2005 بشأن الانتخابات، ومن أبرز الأمور التي وردت في هذا القرار أنه غيَّر النظام الانتخابي من المختلط إلى النسبي الكامل، كما نص على شرط مفاده "إقرار كل مرشح للرئاسة والمجلس التشريعي بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، وبأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى يتم قبول ترشيحه".

فحتى اللحظة غير معروف على أي قانون انتخابي ستجري الانتخابات القادمة، ولكن في حال أصر الرئيس عباس على إجرائها وفق القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007، فمن المؤكد أن حركة حماس سترفض ذلك وسيكون هذا الأمر بمثابة عقبة كبرى أمام إجراء الانتخابات.

كشف قرار إجراء الانتخابات المحلية سنة 2016، عن تأثير الانقسام السياسي والمؤسساتي على الجهاز القضائي في الضفة الغربية، والمخاطر الكارثية لتوظيف أحكامه لأغراض سياسية، وقد تعرض اتفاق لجنة الانتخابات المركزية مع حركة حماس على البت في الطعون من قبل القضاء ومحاكم البداية في القطاع، لانتقادات من أوساط سياسية وقانونية مقربة من فتح، باعتباره يضفي الشرعية على محاكم "غير قانونية"، وهو ما دفع فتح إلى رفض بتّ المحاكم في القطاع بالطعون المقدمة إليها، وتشجيع اللجوء من قبل محامين محسوبين على فتح إلى محكمة العدل العليا بالضفة الغربية بدعوى طعنت في شرعية المحاكم التابعة لحركة حماس في القطاع، وطلبت في ضوء ذلك إلغاء الانتخابات.

ما جرى خلال الانتخابات المحلية سنة 2016، يثبت بما لا يدع مجال للشك أن القضاء مسيس، ويستخدم لأغراض سياسية، ومن الممكن استخدامه في أي انتخابات قادمة لتعطيل الانتخابات وإلغائها. ويندرج في هذا الإطار، قيام المحكمة الدستورية في رام الله بإلغاء المجلس التشريعي الفلسطيني. وهو قرار عارضه العديد من الفقهاء الدستوريين الكبار، كما عارضته معظم الفصائل الفلسطينية.

ومن الممكن حل هذه المشكلة من خلال تأسيس محكمة خاصة بقضايا الانتخابات، وأن يتواجد داخل إطار هذه المحكمة قضاة مستقلين مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، وأن تضم تشكيلة المحكمة قضاة من الضفة وقطاع غزة مناصفة.

على الرغم من أن تطورات عدة مرشحة للحدوث بشكل يؤثر على محاولة التنبؤ اليوم بمآلات الانتخابات العامة، إلا أن استقراء العوامل ذات العلاقة يتيح إمكانية الاجتهاد في تحليل السيناريوهات الرئيسية الآتية:

السيناريو الأول: إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة:

هو سيناريو يفترض قبول الرئيس عباس بما تطالب به ورقة الفصائل الفلسطينية الثمانية وحركة حماس من عقد انتخابات تشريعية ورئاسية بالتزامن، وهو ما يتوافق أيضاً مع ورقة المصالحة التي سبق لحركة فتح الموافقة عليها. وبالرغم من أن هذا السيناريو هو المفضل، إلا أنه لا يبدو الأكثر ترجيحاً حتى الآن، خصوصاً لو أن الفصائل الفلسطينية توافقت على ترشيح شخصية وطنية لخوض الانتخابات الرئاسية مقابل مرشح حركة فتح.

وينسجم هذا السيناريو مع رغبة الجمهور الفلسطيني؛ حيث تريد أغلبية واسعة 72% من الجمهور الفلسطيني إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية معاً، وفقا لنتائج استطلاع الرأي 71 الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر آذار/ مارس 2019، وترتفع نسبة التأييد لإجراء الانتخابات هذه في قطاع غزة 83%، مقارنة بالضفة الغربية 65%. كما أن ثلثي الجمهور 66% يريد من حركة حماس المشاركة فيها والسماح بإجرائها في قطاع غزة.

السيناريو الثاني: عدم إجراء الانتخابات:

ما يرجح هذا السيناريو استمرار الانقسام والخلافات على الخطوات التحضيرية الضرورية، مثل من هي الحكومة التي ستشرف على الانتخابات؛ الحكومة القائمة أم تشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني، والخلاف على قانون الانتخابات، وعلى أساس أي قانون ستجرى، التمثيل النسبي بالكامل أم نسبي 75% ودوائر 25%، أم مثل الانتخابات السابقة مناصفة ما بين الدوائر والنسبي، والخلاف على دور الأجهزة الأمنية في حالة إجراء الانتخابات، وكل هذه المسائل لم يتم الاتفاق عليها بين الأطراف وهذا ما يرجح أن دعوة الرئيس عباس لإجراء الانتخابات ما هي إلا مناورة إعلامية.

إن ما سيحدث وفق هذا السيناريو هو عدم إجراء الانتخابات، وتحميل كل طرف الآخر المسؤولية عن عدم إجرائها، لأن حركة حماس لن توافق على إجراء الانتخابات دون توافق وطني على خطوات إجرائها، فمثلاً ما زال الرئيس عباس مصراً حتى اليوم على إجراء الانتخابات وفق القرار بقانون الصادر سنة 2007، وهذا ما سترفضه حركة حماس، وبالتالي سيحاول عباس تحميل حركة حماس المسؤولية عن عدم إجراء الانتخابات لكونها ترفض خطوات إجراءها، وبالمقابل فإن حركة حماس مصرة على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في آن واحد، وفي حال رفض الرئيس عباس ذلك فإن حركة حماس ستحمله المسؤولية عن فشل الانتخابات.

إن سيناريو عدم إجراء الانتخابات وارد جداً، ولكن يمكن أن نشهد في نطاقه إصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد إجرائها، ومن ثم التذرع بعدم القدرة على تطبيقه جراء رفض حماس. وما يعزز هذا الاحتمال ما جاء في خطاب الرئيس من تحسب مسبق من عدم التمكن من إجراء الانتخابات بقوله "إن من يعرقل إجراء الانتخابات سيتحمل المسؤولية أمام الله والمجتمع الدولي والتاريخ".

السيناريو الثالث: إجراء الانتخابات في الضفة الغربية فقط:

يفترض هذا السيناريو إجراء الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية فقط دون قطاع غزة، وهذا السيناريو غير مستبعد، لأن السلطة أجرت قبل فترة الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة.

من شأن تطور فرص تحقق هذا السيناريو، أن يطيح بالرهان على إمكانية أن تشكل الانتخابات خطوة باتجاه إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بل وأن يهدد بتحويل الانقسام إلى انفصال مؤسساتي.

السيناريو الرابع: إصدار مرسوم إجراء الانتخابات، وتعطيلها لاحقاً:

يفترض هذا السيناريو أن يقوم الرئيس عباس بإصدار مرسوم لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، ومن ثم يقوم أحد الأطراف بتعطيلها لاحقاً، كما حصل مثلاً في الانتخابات المحلية سنة 2016، حيث أصدرت محكمة العدل العليا في رام الله قراراً بوقف إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، واستئنافها في محافظات الضفة الغربية، بسبب طعون قدمت تطعن في إجراءات الانتخابات في قطاع غزة من حيث القضاء الذي ينظر بالطعون وغير ذلك.

وسيم الشنطي

 

من نفس القسم دولي