دولي

الانتخابات العامة الفلسطينية. التعقيدات القانونية والسيناريوهات..

القلم الفلسطيني

أعلن الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26/9/2019، أنه سيدعو فور عودته إلى انتخابات عامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، وكان قد سبق له أن وعد في كانون الأول/ ديسمبر 2018 بإجراء هذه الانتخابات في غضون ستة أشهر. كما أنه أعلن، مساء الأحد 6/10/2019، في اجتماع في رام الله للجنة المركزية التابعة لفتح واللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أن حواراً سيبدأ مع حركة حماس وكل التنظيمات تحضيراً للانتخابات العامة المقبلة، من دون تحديد موعدها.

وبعد إعلان الرئيس نيته إجراء الانتخابات أمام الأمم المتحدة، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية جاهزيتها لإجراء الانتخابات العامة في الأراضي الفلسطينية الرئاسية والتشريعية في حال إصدار مرسوم رئاسي.

وفي ظل تلك الدعوات المتجددة لإجراء الانتخابات العامة الفلسطينية وإعلان الرئيس عباس، إلا أن سيناريو الإلغاء أو التأجيل يزداد ترجيحاً، مما يزيد من تخوفات بعض المختصين من وجود عوامل وإشكاليات قد تحول الانتخابات من نعمة إلى نقمة، ويبقى التساؤل أنه في حال إصدار مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات؛ فهل ستكون انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، أم انتخابات تشريعية فقط في الضفة وغزة والقدس، أم ستقتصر فقط على الضفة الغربية؟

التعقيدات القانونية للانتخابات العامة الفلسطينية:

تمر الحالة الفلسطينية والإقليمية بظروف استثنائية لا تخفى على أحد، وتأتي الدعوة للانتخابات في ظل استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني، وفشل إجراء الانتخابات المحلية سابقاً، وتغول السلطة التنفيذية على كل من السلطة التشريعية والقضائية، وعدم استقرار المراكز والأوضاع القانونية في الحالة الفلسطينية جراء الانقسام الفلسطيني البغيض، مما يثير العديد من التعقيدات القانونية الحقيقية أمام العملية الانتخابية في حال حدوثها، ومن تلك التعقيدات ما يلي:

1. تدخل الاحتلال الإسرائيلي في إجراء الانتخابات:

وفق المحللين السياسيين فإن "الانتخابات الفلسطينية لا يمكن أن تجري بدون موافقة إسرائيل على إجرائها"، وتشير غالبية التقديرات إلى أن الاحتلال الاسرائيلي سيعرقل إجراء الانتخابات خصوصاً في مدينة القدس المحتلة، وما يزيد الأمر تعقيداً قرار الرئيس الأمريكي نهاية سنة 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل"، والوضع السياسي السائد في "إسرائيل" قد يجعل من موافقة الحكومة الإسرائيلية على الانتخابات في "القدس الشرقية" أمرا مستبعدا.

وقد أعلن الرئيس عباس في أكثر من مناسبة أنه لن يقبل إطلاقاً انتخابات بدون "القدس الشرقية"، كما أن محكمة العدل العليا الفلسطينية في الضفة الغربية قد عللت قرار إلغائها للانتخابات المحلية عام 2016 بسبب عدم التمكن من عقدها في مدينة القدس المحتلة.

ومن المتوقع في حال رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، أن تستخدم بعض الأطراف رفضه شماعة لإلغاء العملية الانتخابية وعدم إجرائها.

2. الانقسام الفلسطيني الداخلي:

حسب العديد من الخبراء فلا توجد شرعية كاملة لأحد اليوم على الساحة الفلسطينية، وفي ظل هذا الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسساتي، تُطرح الانتخابات كخيار وحيد للخروج من مأزق الانقسام وإعادة الوحدة لمؤسسات السلطة الفلسطينية.

ويبقى دائماً التساؤل المطروح ما إذا كانت الأفضلية هي لإجراء الانتخابات العامة الفلسطينية كخطوة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أم إنهاء الانقسام قبل إجراء أي انتخابات كون أن الانقسام سيعيق أي عملية انتخابية قادمة.

ولنا درس في تجربة الانتخابات المحلية سنة 2016 حول تأثير الانقسام الداخلي على العملية الانتخابية وإسهامه في إلغائها، حيث قررت محكمة العدل العليا في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر استكمال إجراء الانتخابات في الضفة الغربية، وتعليق إجرائها في القطاع، "لعدم قانونية المحاكم في القطاع". وهذا يدفعنا للقول؛ إن إنهاء الانقسام وتوحيد مؤسسات الدولة مقدم على إجراء أي انتخابات، كي لا تتكرر تجربة الانتخابات المحلية سنة 2016.

وبناء على ما سبق، فيمكن للانتخابات أن تجري في ظل ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، من خلال وجود حكومة موحدة في كل من الضفة والقطاع، وكذلك توحيد كافة المؤسسات والأجهزة التابعة للحكومة، وبالتالي إجراء العملية الانتخابات تحت إشراف مؤسسة وطنية واحدة.

3. الاتفاق على طبيعة الانتخابات:

لم يُحدد حتى اللحظة مقصد الرئيس عباس من إعلانه إجراء انتخابات "عامة"، فليس من الواضح إن كان الرئيس يعني الانتخابات الرئاسية والتشريعية أم هي انتخابات تشريعية فقط، أم انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني كما تطالب غالبية الفصائل.

وقد نص محضر اجتماع بشأن التفاهمات حول المصالحة الوطنية الفلسطينية سنة 2011 بالقاهرة على أن “تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني متزامنة، بعد عام من تاريخ توقيع اتفاقية الوفاق الوطني، من جانب الفصائل والقوى الفلسطينية”، كما نصت المادة 2 من قانون رقم 9 لسنة 2005م بشأن الانتخابات على أنه "1- يتم انتخاب الرئيس، وأعضاء المجلس في آن واحد في انتخابات عامة حرة ومباشرة بطريق الاقتراع السري"، وهذا ما أكدت عليه المادة 116 من القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة.

ومن الممكن أن تشكل تلك المسألة عقبة كبرى في طريق أي انتخابات قادمة في حال أعلن الرئيس إجراء الانتخابات التشريعية دون الانتخابات الرئاسية، وهذا ما سترفضه حركة حماس، كما ترفضه باقي الفصائل الفلسطينية، وسيكون عقبة في طريق الانتخابات، وحتى يتم تجاوز تلك العقبة فمن الجيد أن يعلن الرئيس الانتخابات التشريعية والرئاسية بمرسومين في آن واحد، يحدد زمان كل منهما، ولا ضير أن يكون فارق زمني بسيط بين كل انتخابات، وأي أمر غير ذلك سيكون أقرب إلى وصفة لإفشال إجراء الانتخابات.

4. الاتفاق على شكل الانتخابات:

من غير المعروف هل ستكون الانتخابات التشريعية القادمة على أساس النظام السابق نسبي ودوائر، أم تكون علـى أساس نسبي كامل كما يطالب الرئيس عباس وحركة فتح.

وقد نصت مبادرة المصالحة المصرية على أن الانتخابات القادمة ستجري بناء على النظام السابق (نسبي ودوائر) بحيث يصبح 75% لوائح، و25% دوائر.

وتجدر الإشارة أنه وفق النظام النسبي الكامل يعد الوطن دائرة انتخابية واحدة، ويقوم الناخب بالتصويت لقائمة انتخابية واحدة فقط على مستوى الوطن، وتكون القائمة مغلقة، وتحصل القوائم على نسبة مقاعد المجلس مساوية لنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها شريطة اجتيازها نسبة الحسم.

الاتفاق على شكل الانتخابات سيكون عقبة في حال كان موقف حركة حماس مغاير لموقف حركة فتح والرئيس عباس، كون أن الأخير يصر على إجراء الانتخابات بناء على النظام النسبي الكامل بما يخالف وثيقة المصالحة، ولم يعلن عن موقف حركة حماس من هذه المسألة حتى اللحظة

..... يتبع

وسيم الشنطي

 

من نفس القسم دولي