دولي

حتى لا تكون الانتخابات الفلسطينية كارثة وطنية

القلم الفلسطيني

ما يغيب عن غالبية المنشورات الحزبية الفصائلية والإعلامية السياسية على منصات الإعلام، وداخل أروقة الصالونات الأدبية التوصيفية، أن الانتخابات الفلسطينية (التشريعية والرئاسية) المزمع إجراؤها تحتاج، بالدرجة الأولى، إلى الإرادة السياسية لأصحاب القرار الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحتاج أيضاً إلى التوافق الوطني على الإجراءات الإدارية لإنجازها وترتيبها ونجاعتها، حتى لا تتحول إلى كارثة وطنية، بقصد أو من دون قصد، من انقسام سياسي إداري إلى انفصال إداري وجغرافي سياسي، تتكرس فيه الكانتونات الجغرافية الفلسطينية (في الضفة وغزة والقدس). وبالنتيجة، خدمة مجانية ميدانية لأهداف المشروع الأميركي الإسرائيلي، وتجلياته السياسية في عناوين صفقة القرن الأميركية.

وما يغيب أيضاً عن التفكير الفلسطيني الرسمي أن هذه الانتخابات المركبة، الدستورية الإدارية والسياسية الوطنية، هي إجراء مركب، إدارياً وسياسياً، تتعلق برافعتي الحالة الفلسطينية بشقيها، منظمة التحرير كائتلاف وطني عريض تمثيلي وسياسي، والسلطة الوطنية باعتبارها إحدى مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية، ومعنية بدورها الإداري الخدماتي الجغرافي لجزء من الشعب الفلسطيني الموجود على أرضه المحتلة، والتي تتمايز عن دور (ومهام) منظمة التحرير بوصفها إطاراً تمثيلياً سياسياً لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، لإنجاز استحقاقات مشروعها الوطني في الحرية والاستقلال، في حين أن السلطة تمثل الأداة الوطنية وإحدى إنجازات المنظمة على طريق تحقيق السيادة الوطنية. وينطلق هذا الموقف في تعاطيه من الانتخابات من مجموعة حقائق: 

الأولى: ليست السلطة الفلسطينية كياناً سيادياً سياسياً، طالما هي تحت الاحتلال، وهي ليست ممثلة لعموم الفلسطينيين (إدارياً وسياسياً ووطنياً)، ولطالما تقتصر في إدارتها ورعايتها على  

"ليست السلطة الفلسطينية كياناً سيادياً سياسياً طالما هي تحت الاحتلال، وهي ليست ممثلة لعموم الفلسطينيين" الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتعكس هذه الإدارة لشؤون الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني نفسها، بصورة أو بأخرى، على صمود الشعب الفلسطيني، وأدواته الوطنية والاجتماعية لإنجاز مشروعه الوطني. لذلك، هي إدارة مهمة بالمفهوم الوطني، وتعكس معطىً سياسياً في معركتنا الوطنية السياسية. لهذا، فإن بنية السلطة وتركيبتها، وإن كانت ليست سياسية، فهي تؤدي إلى نتائج سياسية.

الثانية: يدرك الشعب الفلسطيني تماماً أنها انتخابات تحت سقف الاحتلال، وهي انتخابات إدارية من جانب، وسياسية من جانب آخر، لمكونات الحالة الفلسطينية بشقيها (منظمة التحرير والسلطة)، لذلك لا بد من إنتاج، ومن خلال التجديد الانتخابي لإدارة ذاتية ملتزمة بثوابت الشعب الوطنية وحقوقه المشروعة، معطىً وطنياً، لإفشال أهداف المشروع السياسي للاحتلال الإسرائيلي، وتجلياته الميدانية، من خلال تعزيز صمود شعبنا على أرضه، والحفاظ على الثوابت الوطنية. ومن حيث المبدأ، كل المؤسسات الفلسطينية المدنية والوطنية والاجتماعية تحت سقف الاحتلال (البلديات، الجامعات، التعليم، الصحة .. إلخ). ولذلك، لا مبرّر للتعاطي مع المنطق الانتقائي مع ما هو تحت سقف الاحتلال، وبما يخدم رؤى حزبية ضيقة، ورفض ما هو تحت سقف الاحتلال، وللغاية نفسها، إلا إذا كان ذلك يكرّس الهروب إلى الأمام من استحقاقات الهم الوطني، وتعبيراً عن الإفلاس والاستسلام والانبطاح السياسي.

الثالثة: والمهمة، والتي يجب أن لا تغيب عن بالنا وتحليلاتنا السياسية، أن الانقسام في الحالة الفلسطينية أيضاً مركّب: هو انقسام إداري سلطوي من جانب، وانقسام سياسي وطني من جانب آخر. الأول سبيله الوحيد للخلاص منه هو إجراء الانتخابات الإدارية في الضفة والقطاع والقدس. والثاني سبيله الوحيد للخلاص منه، هو بإطلاق باكورة الحوار الوطني الفلسطيني لإنتاج الرؤية الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التوافقية، استجابةً لمتطلبات عودة النهوض الوطني الفلسطيني مجدّداً، وبما يعزّز من مكانة منظمة التحرير وصدارتها وقيادتها المشروع الوطني الفلسطيني، وإنجاز مهامها باعتبارها حركة تحرّر وطني.

ويتطلب تنفيذ أي من هذه الاستحقاقات الوطنية القيام بالخطوات الآتية: على الرئيس الفلسطيني الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات، إثر إنجاز لجنة الانتخابات المركزية المشاورات التي تقوم بها وتقديم تقريرها، ضمن الحدود الزمنية المحددة في بنود المحكمة الدستورية. أن يدعو الرئيس الفلسطيني هيئة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها، والمكونة من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، وأعضاء اللجنة التنفيذية، ورؤساء المجالس التشريعية الفلسطينية، وشخصيات وطنية واجتماعية ومدنية، لتفعيل المؤسسات ولبلورة رؤية وطنية توافقية للإجماع الوطني واستراتيجيته المقاومة. الاتفاق على اعتماد النظام الانتخابي النسبي الكامل لإتاحة الفرصة لمشاركة أطياف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وضمان تمثيلها في التشريعات الفلسطينية، وفقاً لحجمها النسبي في المجتمع الفلسطيني، أو اعتماد نظام انتخابي على مستوى الدوائر، والذي قد يتيح مشاركة قوائم المستقلين في الدوائر لضمان وصول شخصيات محلية مستقلة قد لا تكون لها فرصة لإقامة قوائم على مستوى الوطن. أو اعتماد نظام انتخابي نسبي مختلط، بحيث يتم انتخاب نصف مقاعد المجلس التشريعي (البرلمان) عبر قوائم على مستوى الوطن، والنصف الثاني عبر قوائم على مستوى الدوائر. تعهد "سلطتي طرفي الانقسام الإداري والسياسي في الضفة والقطاع" بضمان حرية الانتخابات ونزاهتها، وضمان احترام نتائجها والتسليم بها. تكليف لجنة الانتخابات المركزية بالتحضير للانتخابات، ووضع الخطط الكفيلة بمنح المصداقية للعملية الانتخابية، وتعزيز نزاهتها وشفافيتها، من خلال وجود هيئات رقابة دولية تحظى بثقة الأطراف الفلسطينية، سواء أكانت من هيئة الأمم المتحدة أو من أطراف فلسطينية أو عربية أو إسلامية ومنظمات أجنبية.

نحن أحوج إلى بلورة استراتيجية وطنية متماسكة، وعلى أعلى المستويات، للبحث في كيفية 

"يدرك الشعب الفلسطيني تماماً أنها انتخابات تحت سقف الاحتلال" مشاركة الجميع وبدون استثناء في هذه الانتخابات، وتوفير ضمانات فعلية لإنجاز هذا الاستحقاق الوطني بشقيه، الإداري والسياسي. وميدان الاتفاق على هذا من خلال حوار وطني عام وشامل، يقوده الرئيس محمود عباس، ويشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني والأمناء العامون لفصائل العمل الوطني وشخصيات مستقلة. هذا هو الإطار الوحيد الذي يمكن، من خلاله، الوصول إلى تفاهماتٍ تمكّن من إجراء الانتخابات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وغير ذلك ستقود الانتخابات، بدون الإجراءات والآليات التمهيدية لها ولنجاحها، إلى كارثة وطنية، يصعب التنبؤ بنتائجها.

باسم عثمان

 

من نفس القسم دولي